شاعر تحول إلى روائي تحول من مغامرة إلى أخرى لا تقل عمقا .
تعودنا على الحديث عن الكتابة والتقليد ، وفي مقابل ذلك ، هناك تقاليد القراءة ، بمعنى أن القارئ يتدرب مع نمو واتساع قراءاته على نمط ذهني تحدده وتقرره تلك القراءات التي يجري اعتمادها في الثقافة على أنها نماذج رسمية لأنواع يحددها الحكم النقدي العام ، وكل قراء الرواية- مثلا-يتخذون نجيب محفوظ أو الطيب صالح أو أمين معلوف وسواهم من الأسماء المترسخة ، يتخذونهم نماذج يقيسون عليها كل ما يقرأونه من أعمال تتسمى بالروائية من ذوي الأسماء الجديدة على الميدان .
أقول هذا بمناسبة التحول الكتابي الذي أقد عليه غازي القصيبي حينما كتب الرواية .
هو شاعر تحول إلى روائي .. !! وهذا ليس مغامرة في الكتابة فحسب ، ولكنها مغامرة في لعبة ( الاستقبال ) أيضا .
فالناس تعودوا على القصيبي الشاعر ، وأخذوه- أدبيا - بهذا المأخذ ، وهذه هي اللعبة المشتركة بينه وبين قرائه ، لكنه فجأة يقرر تغيير شروط اللعبة ، ويرسل رسالة مختلفة في صورة نص غير شعري .
استقبال المغامرة
هو نص لشاعر غير المنصوص ليس شعرا ، وهذا جعل كثيرين يهرعون إلى الحل السريع المريح ، فينكرون عليه صفة الروائي ، ومن هؤلاء ناقد متميز وقدي مثل صديقنا الدكتور عبد السلام المسدى ، الذي لم يجد ما يثبت له روائية ( شقة الحرية ) .
ولو افتراضنا أن هذه الرواية لكاتب آخر غير غازي القصيبي ، فهل يا ترى سيظل الدكتور المسدي يرى عدم روائيتها ؟!
طبعا ليس من المقبول أن أرد على تساؤلي إلا أن أظل أتساءل ، ولست أذكر هذا إلا لمعرفتي الأكيدة أن المسدي وهو الرجل المعني بقراءة الخطاب والنسق اللغوي ، كان ينظر غلى شروط التعبير السردي على أنها قوانين مرتبطا بالضرورة بالشرط المعرفي- أولا- ثم بشروط الاستقبال ثانيا.
هذا هو تفسيري لظروف استقبال ( شقة الحرية ) ، وهو استقبال اختلف فيه معجب الزهاراني مع عبدالسلام المسدي على مستوى المصطلح وعلى مستوى التأويل .
وفي ذلك ما يثير أسئلة النقد وأسئلة الاستقبال وأسئلة التفسير . كما جرى سابقا بين طه حسين ورواية ( السد ) للمسعدي ، وربما نرى تنويعا عليها مع المسدي وشقة الحرية .
وإن كان الخلاف قد صار بين ناقدين واعيين ومتمكنين من أدوات النظر وأدوات التأويل ، فإنه أيضا قد وقع بين القراء أنفسهم ، ففي الكويت- مثلا- أجرت إحدى المجلات استطلاعا صحفيا مثيرا تبحث فيه عن إحدى بطلات النص ، وجرى الاتصال بكل من درست في القاهرة وقت أحداث الرواية .
وهذه نوع من القراءة والتأويل يسعى إلى ربط المجازي / السردي بالتاريخي الواقعي ، وهذا ليس خطأ ، كما أنه ليس صوابا ، تماما مثلما أن المسدي والزهراني لا يتقاسمان الخطأ والصواب .
بطولة النص
إن القراءة والتأويل حق طبيعي للقارئ ولا مجال للخوض فيه حسب شروط الصح والغلط .
وليس من بطل فيه سوى النص الذي يملك القدرة على اللعب والمناورة ، ولا شك أن غازي القصيبي قد أثبت مهارة في قدرته الإبداعية- دائما- على مشاغبة النص واللعب على شروط الاستقبال ، وهذا ما يجعلني أشير إلى روايته ( العصفورية ) على أنها نص مراوغ وتمثيلي ، يمثل نقلة نوعية في الخطاب السردي ، ويمثل مهارة ، وليس سوى القارئ كي يدخل إلى الملعب ويناور مع النص لتظل لعبة القراءة والتفسير هي الفعل ، وهي النص الحقيقي .
حياة في سطور
- ولد في الأحساء بالمملكة العربية السعودية في 2 مارس عام 1940 .
- متزوج منذ عام 1968 ولديه ابنة وثلاث أولاد .
- حصل على ليسانس حقوق القاهرة عام 1961 ، وعلى الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن عام 1970 .
- تولى العديد من المناصب الجامعية آخرها عمادة كلية التجارة- جامعة الملك سعود ، كما تولى العديد من المناصب الحكومية كان منها إدارته لمؤسسة الخطوط الحديدية بالدمام .
- عين وزير للصناعة والكهرباء في الفترة 1975- 1982 ، ثم وزير للصحة في الفترة 1982- 1984 .
- مثل بلاده كسفير إلى كل من البحرين عام 1984 ثم إلى المملكة المتحدة التي مازال سفيرا فيها حتى الآن .
- عضو في العديد من الهيئات الخيرية والاجتماعية والعلمية .
- له العديد من المؤلفات ، فقد أصدر في مجال الشعر 13 ديوانا منها : أشعار من جزائر اللؤلؤ- قطرات من ظمأ- معركة بلا راية ، وآخرها : قراءة في وجه لندن ، كما أصدر في مجال النثر ثمانية كتب منها : قصائد أعجبتني- من هم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون- المزيد من رأيي المتواضع- الأسطورة .
أما في مجل الرواية ، فقد أصدر ثلاث روايات : شقة الحرية والعصفورية ورواية تحمل عنوان الرقم 7 ، كما نشر مسرحيتين إحداهما بعنوان " هما " و " في القفص الذهبي " .
- له العديد من المؤلفات الأخرى في مجال العلوم الاجتماعية والتراجم والمختارات ، كما أصدر سيرته الذاتية في كتابين هما " سيرة شعرية " ( من جزئين ) و " حياة في الإدارة " .
- ترجم العدد من كتبه إلى اللغة الإنجليزية ، ومنها روايته الشهيرة " شقة الحرية " ، كما نشرت مجموعة من مختاراته الشعرية بعنوان " من الشرق والصحراء ".
- حصل على العديد من الأوسمة من العديد من دول العالم منها اللمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين والمغرب وألمانيا وغيرها .
- حصل على جائزة مؤسسة التقدم العلمي التقديرية من دولة الكويت عام 1999 .