صارتالرغبةفيالحصولعلىالسلعالتيتتجاوزحدودالضروراتالبشرية،والتييسميهاالبعضبالسلعالترفيهية،عنوانًاجامعًالسكانكوكبنا،سواءفيالبلدانالفقيرةأوالغنية،وبنسبمتفاوتةبينالدول،وبينالأفرادداخلكلدولة،وهيظاهرةترتبطبمؤشراتعالميةتتبلورفينزعةالاستهلاكالتييُقدِّرالبعضعمرهابثلاثةقرونمنالتاريخالإنسانيالحديث،ومعذلكلمتتوقفالدراساتالتاريخيةأمامهاإلامتأخرًا،ومتأخرًاجدًا،ممايرسممنحىجديدًالعلمالتاريخيساعدالبشرعلىفهمجذورنوازعهم،ويستشرفآفاقها،ويجعلمواقفهمأكثرموضوعية،سواءمنالظاهرة،أوممايختفيوراءها.
*لمتقتصرمعارضاتالنزعةالاستهلاكيةعلىالمفكرينالأوربيينفالاقتصاديالأمريكي«ثورستينفيلبين»ابتكرمصطلح«الاستهلاكالمنافيللذوق»لوصمهذهالنزعة
*النزعةالاستهلاكيةأبعدجذورًامنعصرالثورةالصناعيةفيالغربوهيمكونطبيعيفيالنفسالبشريةالتواقةلتوسيعرقعةرغباتهافيالاقتناءوالتمتع
*كانشراءزهورالخزامىالمستوردةمنآسيافيالقرنالسابععشرهوايةاستهلاكيةأوربيةأصيلةخاصةفيهولنداالتيصارتمزرعةعالميةللزهورفيمابعد
*قبلأورباالغربيةوالولاياتالمتحدةكانتهناكإشاراتمبكرةقويةللاهتماماتالاستهلاكيةسبقتالعصرالحديثفيمجتمعاتمختلفةكثيرةمنهابلادالعرب
عندماأطلقالمفكرالأمريكيفوكوياماصيحةنهايةالتاريختعقيبًاعلىانتهاءالحربالباردةبينالقطبين(السوفييتيوالأمريكي)،جوبهبمعارضاتعنيفةكانتصحيحةفيمجملها،لكنصيحتههذهلمتكناستثناء،ولنتكون،فيحقلالدراساتالتاريخية،التيلمترالتاريخإلافيوقائعصراعالأمم،وتنازعالحكام،بينماظلتاريخالأفرادالعاديينوالتجمعاتالبشرية،ممايتجنبهالتاريخ،ويستأثربهالأدب.وفيإطارهذاالانتقاءللدراساتالتاريخية،قديمهاوحديثها،يبزغاحتمالالوصولإلىالاستنتاجالخاطئالذيتوصلإليهفوكوياما،إذإنالتاريخفينظرأمثالهلايتجاوزحدودالصراعالسياسيبينكياناتدوليةأوإراداتحاكمة،ومنثمينتهيالتاريخمنطقياـتبعًالحدودالزاوية،التيينظرمنهاـفورانتهاءهذاالصراعأوذاك.لكنالتاريخلاينتهيواقعًامادامتالحياةمستمرة،وهذهالحقيقةتتجلىبوضوحلكلمنيوسعإحساسهبالمجتمعالبشري،فلايراهمختزلاًفيصراعسياسيهناأوهناك،سواءكبرهذاالصراعأوصغر.ولقدكانهذاإحساسيكدارسللتاريخطوالسنواتطويلة،لهذاكنتأشعربالسعادةعندماأجدتراثناالفكريالعربييتجاوزهذهالمحدوديةالتاريخية،فيؤرخللشعراء،وللشطاروللعيارين،ولأصحابالحرف،بليتجاوزتاريخالأفرادليدرسالظواهرالمجتمعية،كمافعلابنخلدونفيمقدمته،والكواكبيفيدراستةالفذةلظاهرةالاستبداد.ولقدكانتراثناالعربيبهذهالإسهاماتالذكيةسابقًالعصرهفيعلمالتاريخ،لابالتفاتهإلىمالميلتفتإليهالآخرونفقط،بلبوعيهبوجوبأنيكونعلمالتاريخموسوعيًايوظففيمسارهكلمايتعينتوظيفهمنعلومتتعلقبسلوكالنفوسوالمجتمعات.
لهذاكلهكانتسعادتيكبيرةباطلاعيعلىمحاولةوظفهاأحدأساتذةالتاريخالعالميين،وهوبيترن.ستيرنزPeterN.Stearns،أستاذالتاريخبجامعةجورجميسون،لدراسةالنزعةالاستهلاكية،فيكتابه:
CONSUMERISMINWORLDHISTORYولقدأصدرتمطبوعاتوزارةالثقافةالسوريةهذاالكتابتحتعنوان«تاريخالنزعةالاستهلاكيةفيالعالم»بترجمةجيدةللأستاذعادلالعامل.وأعتقدأنهكتابمهموجذاب،تنطلقأهميتهمنأنهيعالجظاهرةكاسحةنعيشفيها،وتتأتيجاذبيتهمنجدةبحثهوطرافةاكتشافاته.
أبعدممانتصور
لقدأصبحتالنزعةالاستهلاكيةمجالاًللاكتشافالتاريخيالجديد.فحتىعقدمضىمنالزمنتقريبًا،كانالشائعفيالمعالجاتالثقافيةأننشأةالنزعةالاستهلاكيةـوبالتاليمايسمى«المجتمعالاستهلاكي»ـتعودإلىنتائجالثورةالصناعية،وبالتاليفإنابتداءهافيالبروزيعودإلىنهايةالقرنالتاسععشر.وهذاالانطباعـالمؤسسعلىخلفيةغيردقيقةمنالتعقبالتاريخيـيمكنأنيقودإلىأخطاءكبيرةفيالاستنتاج،سواءعندالترحيببالظاهرةأوحالمناهضتها،لأنالاستنتاجهناسيكونمبنيًاعلىالموقفمنالثورةالصناعيةنفسها،سواءبالإدانةأوبالتوقير.
ولعلأبرزماأتىبه«بيترستيرنز»فيكتابهعنعالميةالنزعةالاستهلاكية،هوالكشفعنجذورهذهالنزعةالعالميةوإرجاعهاإلىماهوأبعدوأعمقمنالقرنالتاسععشروتفجرالثورةالصناعيةخلاله،فالنزعةالاستهلاكيةالحديثةتسبقالثورةالصناعية،ولقدظهرتتجلياتهامبكرًافيأماكنمنالعالمبعيدةعنالغرب،علىالرغممنأنباكورةازدهارهاكانتفيأورباالغربية،معتأثيراتمواكبةفيالولاياتالمتحدة،التيركبتالموجةمقلدةلأورباالغربيةفيالبداية،ثممتجاوزةلهاوقائدةجامحةللنزعةالاستهلاكيةفيالعالممنخلالسلوكالفردفيالمجتمعالأمريكي،والانتشارالعالميللنشاطاتالمرتبطةبهذاالسلوك،منمطاعمالوجباتالسريعةإلىالسينماوملحقاتالكمبيوترالترفيهيةوالتسوقعبرالشبكة.
قبلأورباالغربيةوالولاياتالمتحدةكانتهناكإشاراتقويةللاهتماماتالاستهلاكيةسبقتالعصرالحديث،فيمجتمعاتمختلفةكثيرة،ممااعتبرهأصحابهذهالاهتماماتنوعًامنالنزوعالإنسانيالطبيعيمتىكانتالظروفالاقتصاديةتسمحبه.فيمصرالفرعونية،التيلميأتعلىذكرهاالكتاب،ربمالأنهيعملفيدائرةالتاريخالحديث،تشهدآثارهاالماثلةبترفنخبتهامنفراعنةوكهنةكانتعوالمهمتموجبالذهبوالعطوروالقصوروالمعابدومقتنياتالمرمروالخشبالمجلوبمنوراءالبحار،وهذاكلهممايمكنناترجمتهإلىمعنىالسلعالترفيةأوالاستهلاكيةفيالمفهومالحديث.ويمكنأننعثرعلىشذراتمنهذهالنزعةالاستهلاكيةفيالحضاراتالقريبةمنالحضارةالفرعونية،وإنكانستيرنزيذهبإلىالقولبأنهلمتكنهناكإمكاناتاستهلاكويةواسعةبوجهخاصفيالحضاراتالزراعيةقبلعام800قبلالميلاد،لأنالناسالأثرياءوجدوافيأثيناالقديمةوالصينالهانية(نسبةلأسرةهانالحاكمةفيالصين).فقدتباهىبيركليسالأثينيبوفرةالسلع،التيجلبتهاالتجارةحولمنطقةالبحرالمتوسط،وكانتالعطوروالمجوهراتمتيسرة،وخلالعصرالإمبراطوريةالرومانيةكانالناسيستمتعونبلبسالثيابالفضفاضةالمصنوعةمنالحريرالمستوردمنالصين.ولميكنهذاالترفممايمكنأنيدلبشكلصارخعلىصعودالجذورالأولىللنزعةالاستهلاكية،فهذهالجذورتمددتواشتدتحالمااستقرغبارانهيارالإمبراطورياتالكلاسيكيةفيروما،والصينالهانية،كماتطورتمستوياتالتجارةالإفريقيةالأوربيةالآسيويةبوجهخاصمنخلالالتجارالمسلمين،وأصبحنبلاءأورباوبعضرجالالأعمالالأثرياءفرصةأكبرلإظهارعاداتأوحتبالنزعةالاستهلاكيةبشكلأكثرتبلورًا.وكانكثيرمنالنبلاءيستهلكونالمنتجاتالترفيةالقادمةمناليونانوشرقالبحرالأبيضالمتوسط،ويظهرونولعًابالحريرالمستوردمنالصين،ودخلالمحاربونالعربـعلىحدتعبيرـستيرنزـفيتحولمماثلنحوالمنافعالاستهلاكيةالأكثروفرةفيالقرنالعاشر،كمافعلالنبلاءالإقطاعيونالأوربيونفيالقرنالثالثعشر.وكانالقاسمالمشتركهوالاهتمامالمتناميباللباسالفاخر،والولعبالوارداتالمستجدة،مثلالحلوياتالشرقيةالتيعرفهاالنبلاءالإقطاعيونالأوربيونخلالالحروبالصليبية.
كانذلكعلىمستوىالأثرياءمنالشرقوالغرب،أماالفقراء،فلمتنعدملديهمهذهالنزعةالاستهلاكية،وإنفينطاقاتمحدودةومتواضعة،لكنينطبقعليهامنطقالسلعالاستهلاكية،أيالتييمكنالاستغناءعنها،ويذكرالمؤلفنموذجالذلكالنزوعالاستهلاكيلدىالريفيين،الذيكانيشبعهفينطاققدراتهمالمحدودةباعةمتجولونعرضيون،كماأنبعضالريفيينكانوايسافرونبعيدًاعنقراهمإلىالبلداتليشبعوانزعتهمالاستهلاكيةالمتواضعةبمقايضةمايمتلكونهمنموادغذائيةببعضالألبسةوالأدواتالتيلمتكنلازمةتمامًالبيئاتهمالبسيطة.وفيأورباكانتالمهرجاناتالقرويةمناسباتجماعيةتظهرفيهاالأزياءالملونة.ولميبتعدالأفارقةعنمثلتلكالاحتفالاتالراقصةباذخةالألوان.أماالصينفقدكانتأكثربذخًافيألوانهاواحتفالاتها.
كلذلككاننواةبعيدةللنزعةالاستهلاكيةلدىالإنسانالمعاصر،لكنهذهالنزعةبتجلياتهاالحديثةالأكثراندفاعًاتبلورتفيالمجتمعاتالغربيةمكونةأصولالمجتمعالاستهلاكيالحديثفيأورباالغربية،الذيانتشرسريعًاوتطورأكثرفيالولاياتالمتحدة.وفيهذاالسياقفإننهايةالقرنالسابععشرهيالتيحملترايةالظهورالأكملللنزعةالاستهلاكيةوليسالقرنالثامنعشر.بلإنهناكمؤشراتعلىتجليهذهالنزعةأبعدمنذلك،ففيوقتمبكركالقرنالسادسعشرازدادالإنفاقعلىالأثاثالمنزليلدىالناسالذينيعيشونفوقخطالفقر،ووفرصنعالخزائنالمزخرفةعملاًمربحًالحشودمنالحرفيينالمغمورين،وكانشراءزهورالخزامىالمستوردةمنآسيافيالقرنالسادسعشرهوايةأصيلةفيثلاثينياتالقرنالسابععشرخاصةفيهولنداالتيصارتمزرعةعالميةللزهورفيمابعد.
منذلككلهيمكنناالوثوقبأنالنزعةالاستهلاكيةهيأبعدجذورًامنعصرالثورةالصناعيةفيالغرب،وأنهامكونطبيعيفيالنفسيةالبشريةالتواقةلتوسيعرقعةرغباتهافيالاقتناءوالتمتع،وهوماأدتإليهعواملحفزتهذهالرغبةفيالأزمنةالأحدث،ووصلتبهذهالنزعةإلىماصارتعليهالآن.
محفزاتوملامح
لقدتطورتالنزعةالاستهلاكيةالحديثةبفعلعددمنالعواملالفاعلةبشكلمتزامنمعالنزوعالطبيعيللبشر،ففيالعصرالحديث-وهنايمكنأننتكلمعنتأثيرالثورةالصناعية-تكاثرتالمنتجاتالجديدةوزادتالأموالبينأيديالمنتجين،وخلقهذاحاجاتجديدةمؤطرةبثقافةمتغيرةنتيجةالتأثيرالمتناميللحياةفيالمدن،فالناسالمدينيونكانوامنهمكينفينزعةالاستهلاكعلىنحوأكثرشمولاًمنالريفيين،وقدتغيرتالمناطقالريفيةالمتصلةبالمدنبشكلأسرع،وتحولالشبابنحوهذهالنزعةبصورةأسرعمنأقاربهمالأكبرسنًا،مقيمينعلاقةخاصةبينتحسناتالنزعةوالثقافةالشبابية،التيامتدتفيالقرنالحاديوالعشرينالذينعيشه.ويمكنالقولإنالثورةالصناعيةالمبكرةالتيتطورتبينثمانينياتالقرنالثامنعشروأربعينياتالقرنالتاسععشرأولاًفيبريطانياثمفيأقسامأخرىمنأورباالغربية،قدوفرتمثالاًلافتًاللنظر.فقدوضعتفيالمصانعالعمالالجددالذينكانمنالممكنأنيكونوامستهلكينشعبيينبلامنازع.هكذاصارتأوربابأرستقراطياتهاوطبقاتهاالشعبيةمنخرطةفيتجلياتهذهالنزعة،خاصةفيزمنالمستعمرات،التيفاضتعلىأوربابالكثيرالذيجعلمنهاأقوىمنطقةفيالعالم،وراحالأوربيونيوسعونمنحضورهمالتجاريالكولونياليفيكلمكانتقريبًا،ومعهذاالانتشارصارهناكإحساسعلىنطاقعالميواسعيغريبتقليدالنزعةالاستهلاكيةالأوربية،ومعالتطوراتالثقافيةوتطورطرقالتسويقالجديدة،وتبدلاتالوضعالاجتماعي،التييبديهااكتسابسلعجديدة،تحولتالنزعةالاستهلاكيةإلىعدوىعابرةللقارةالأوربية،تلقفتهاأولاالولاياتالمتحدةمقلدًافيالبداية،ثملاعبًاأساسيًا،بللاعبًاوحيدًاأحيانًا،حتىتوشكهذهالنزعةأنتكونصناعةأمريكيةالآن،وإنبمساهماتإضافيةمنهناوهناك.لكنيظلالنموذجالغربيوامتدادهالأمريكيفينزعةالاستهلاكهوالمهيمنبامتداداتهالعالميةفيأرجاءكوكبنا،فالأوربيونوالأمريكيونرأوافيهذهالنزعةسلوكًاطبيعيًا،ومنثمحملوهامعهمحيثماذهبوا،ونقلوهابداهةلمنأتىإليهم،حتىليقالإنالمبشرينالغربيينجلبوامعهمشيئامنهذهالنزعة.ومعتوسعهاوامتداداتهاالعالميةلمتعدهذهالنزعةوقفًاعلىمنتجاتللاستخدامالشخصيوالمباشر،بلتوسعتلتشملوسائلالترفيه،فأولنادلكرةالقدمفيالأرجنتينـمثالاًلرياضةالتفرجـتشكلبواسطةمستوطنينبريطانيينعام1867،وراحتالأفلامالأمريكيةوالأوربيةتُعرضفيإفريقياوآسياوأمريكااللاتينيةعام1900،وافتتحتشركاتهوليودفروعًالهافكانلاستوديوهاتيونيفرسالعشرونمنفذاعام1918فيأماكنمثلإندونيسيا،واليابان،والهند،وسنغافورة.وأخذتالأفلامالأمريكيةتتحكمفي95%منالسوقالأسترالية.وبداأنهذهالنزعةبألوانهاالغربيةتوشكأنتجتاحالعالم،فكانطبيعيًاأنتكونهناكردودأفعالرافضةمنمعارضينلميتأخرواكثيرًاعنمواكبةهذاالانتشارالاستهلاكيفيباكورةتجلياتهالحديثة،وهيمعارضةتلقيبالضوءالكثيرعلىمايحدثفيعالمناالآن،بلتكادتكونمجرد«بروفة»للجدلالذييثيرهاستشراءالنزعةالاستهلاكيةفيزمننا.
عاصفةمنالمعارضات
معتوسعالنزعةالاستهلاكيةفيالفترةمنأواخرالقرنالتاسععشرحتىأوائلالقرنالعشرين،انفجرتموجةمنالانتقاداتلهذهالنزعة،ليستمقتصرةعلىالبعدالدينيالداعيإلىالزهدفيالإغراءاتالدنيوية،كماكانتموجةالاعتراضاتالمبكرةفيالقرنالسابععشروماحوله،بلتتجاوزهاإلىوجوهدنيوية،ثقافيةواجتماعيةوسياسيةمنالنقد،ووجدناوجوهًاجديدةتنضمإلىموجةالانتقاداتالجديدة،فالروائيالفرنسيإميلزولاكتبعن«المخازنالكبرى»وإغراءاتهاللنساء«العابثاتالطائشات»،ولميستطعزولاأنيقررمنهوالمذنبأكثر،أصحابالمتاجروإطلاقهملإغراءاتالتسوقأمالنساء«لفراغعقولهن».وثمةمنوجهلطماتللنزعةالاستهلاكيةعلىاعتبارأنهاصناعةيهوديةيديرها«الملاكاليهود»للمتاجرالكبرىبهدف«إثارةشهيةمسيحيينمعتدلينلإبعادهمعنملكوتالسماء».أماالنازيونفيعشرينياتالقرنالعشرين،فقدكاناعتراضهمنابعًامنأنهمأرادوااحتكارالناسلتبجيلالدولةوالعنصرالآريوالقائد،فلاتلهيهمالأهدافالاستهلاكيةالفردية.وكانالاشتراكيونفيالوقتذاتهيهاجمونهذهالنزعةعلىاعتبارأنهامظهرمنمظاهرالمظالمالرأسماليةلاينبغيأنتنخدعبهالطبقةالعاملة.ولمتستثنالمعارضةللنزعةالاستهلاكيةمفكرينخارجالأطرالسالفة،هاجموا«الذوقالجماهيريالمغشوش»وأبدواقلقهمحيالتدميرالتسلسلالهرميالاجتماعيالتقليديفيبلدانهم.وكانإنشاء«المخازنالكبرى»العملاقةفيالمدنالألمانيةفيتسعينياتالقرنالتاسععشرباعثًاعلىانتقادكاسح،فقدتركزالانتباهعلى«الهبوطالأخلاقيللطبقةالوسطىحينانهمكتفيالنزعةالاستهلاكية»،وكتبالأديبالألمانيالشهير«توماسمان»روايةتتعقبانحطاطسلالةحاكمةمنالطبقةالوسطىبفعل«فقدانهاضبطالنفسحيالمغرياتالإغواءالاستهلاكي».
ولمتقتصرمعارضاتالنزعةالاستهلاكيةعلىالمفكرينالأوربيين،ففيالولاياتالمتحدةأيضاكانهناكناقدون،وكتبالاقتصاديالأمريكي«ثورستينفيلبين»دراسةقُرئتعلىنطاقواسععنالترفالذيلاضرورةلهلأقطابالأعمالمنالطبقةالعليا،مبتكرًافيذلكمصطلح«الاستهلاكالمنافيللذوق»لإلقاءالضوءعلىالإنفاقالذيلايخدمإلاالمظهر،والذي«لايلبيالحاجاتالحقيقيةولاالمعاييرالجماليةالأصيلة».
وعلىالرغممنصوتالمعارضةالأمريكيللنزعةالاستهلاكية،إلاأنتيارًاجديدًامنالمعارضةأدخلعنصرًاجديدًافيهجومهعلىهذهالنزعةباعتبارهانوعًامن«الأمركة»يستشريمعازديادالتأثيرالمتعاظمللولاياتالمتحدةعلىأوربا،وذلكلأنالمتاجروالمعاييرالأمريكيةكانتتجتاحأرضاجديدةعبرالمحيطوتغدوبسرعةرمزاللنزعةالاستهلاكيةبصورةأشمل.
بينالأمسواليوم
لقدكتبالمؤرخالألماني«جونهوزينجا»عنأمريكا:«إنأدواتحضارتكوتقدمكتجعلنامصنفينفقطبينالقديموالطريف،بينماحياتكلاتبدوجديرةبأنتُعاش».وقالأوزوالدشبنجلر:«إنالحياةفيأمريكاعلىوجهالحصراقتصاديةفيتركيبهاوتفتقرإلىالعمق».واعتبرالكاتبالفرنسي«جورجدوهامل»أن«الماديةالأمريكيةمنارةالكفافالتيتهددالحضارةالفرنسيةبالكسوففارضةحاجاتوميولاًبلاقيمةللبشرية».وقدحظرالبرلمانالفرنسيعام1936«الأسواقذاتالطابعالأمريكي»لمدةسنة،علىاعتبارأنها«تستغفل»زبائنهاوتشكلاقتحامًاأجنبيًالفضائلالأسلوبالفرنسي.
لقدكانتهذهالصيحات،التيانطلقتمنذقرابةنصفقرن،تعبيرًاعنفزعأوربيونفورمنالنزعةالاستهلاكيةذاتالصبغةالأمريكية،وهيصيحاتيترددمثلهاالآنعلىاتساعمساحةالكرةالأرضية،وضمنهاعالمناالعربي.وعلىالرغممنذلكفإنالأسلوبالأمريكيفيالاستهلاكينتشرانتشارالنارفيالهشيم،وكأنهذهالمعارضاتتزكيهولاتطفئه.فمطاعمالوجباتالسريعةتجتاحعالمناومدنناالعربية،والأفلامالأمريكيةتغزوشاشاتناوبيوتنا.ولعلالفائدةالأهملتعقُّبالنزعةالاستهلاكيةتاريخيًاهيإظهارحقيقةأنهاأبعدكثيرًامناستشراءالظاهرةالأمريكية،ولقدوضعنانحنـالعربـبذرةمنبذورهافيوقتمبكرمنزمنبزوغها،حينكانلدينامانقدمهلهذهالنزعةونغريبهالآخرين.وفيضوءذلكالتأريخلمتعدالإدانةالمطلقةلهذهالنزعةهيالمعالجةالصحيحةلانتشارها،بلالموقفالموضوعيهوالأوجب،والذييلتمسللنوازعالبشريةالأعذاردونأنيبررلهاالشطط،وفيالوقتذاتهيرفعراياتالاعتراضعلىهذهالنزعةإذاكانتتهددخصوصيةثقافيةأواجتماعيةترتبطبحقيقةالذاتالعربيةوأصالةهويتها،وننتبهفيغمارهذهالموجةالكاسحةإلىأنشططنافيالاستهلاكيشيرإلىتقاعسنافيالإنتاج.فهلنكفعنالتقاعسوالشطط؟.