قبل عقود قليلة, كانت أنظمة التعليم في بلادنا العربية تحمل عنوان (وزارة المعارف) وكان جُل النشاطات الثقافية يخرج من المدارس والجامعات, كما كان أغلب القادة التربويين هم في ذات الوقت من قيادات الفكر والثقافة في مجتمعاتهم, والأمثلة عديدة, فعلي مبارك وطه حسين ومحمد عبده في مصر, وشبلي شميل وسليم البستاني في لبنان... وفي سوريا, د. شاكر مصطفى وعبدالله عبدالدايم, كانوا رجال تربية وتعليم وكانوا قادة فكر وإبداع ثم جد زمان دولة الاستقلال وقيام الحكومات الوطنية على امتداد رقعة الأرض العربية وطرحت مشروعات التنمية بما حملته من تركيز على المحتوى المهني المباشر للعملية التعليمية, وتفتتت وزارة المعارف الواحدة إلى عدد من الوزارات المتخصصة فأصبح لدينا وزارات للتربية وأخرى للتعليم العالي, بل أحياناً للتعليم المهني, وكلها تركز برامجها ومناهجها على تكثيف المحتوى (التعليمي) أو التقني في التخصصات المختلفة, وتخفيف ـ أو بالأحرى تهميش ـ المحتوى الثقافي لتلك البرامج والمناهج ونتج عن ذلك إقصاء لحصيلة القيم الإنسانية العامة, وتقلصت النشاطات الدائرة في المدارس والجامعات, بعد أن تصوّرنا أن السعي في دروب التنمية يتطلب مزيداً من الاقتصار على الجانب المهني للعملية التعليمية, ومن ثم صياغة وممارسة السعي إلى تحقيق الأهداف التربوية صياغة وممارسة فنية مهنية محضة لكفالة(المخرجات) المطلوبة لسوق العمل, وتضاءل اهتمامنا بدور آخر للتعليم أبعد أثراً في (التنمية البشرية).
فالهدف الأساسي من العملية التربوية هو خلق إنسان لايجيد الحفظ والتلقي بقدر ما ينمي لديه فكرا نقديا حرا قادرا على أن يواجه العصر وهو يحمل تراثه وحضارته وقادرا على التفاعل مع الحضارات الأخرى. وبالتالي قادر على بناء مركب ثقافي معاصر يمكنه التآلف بين ما هو ماض وما هم معاصر. وتزداد صعوبة تحقيق هذا الهدف في وجه ذلك التطور الهائل الذي نشهده بشقيه التكنولوجي والمعرفي. إن العملية التربوية كانت ولاتزال هي السبيل الوحيد للاستفادة من هذا التطور الجديد من أجل الإفادة منها تقنياً وتدعيم ثقافتنا العربية معرفياً ضد أخطار العولمة التي تواجهنا.
لقد بدأنا منذ سنوات عديدة نحصد نتائج هذا الفصل بين الثقافة والتعليم في برامج النشاط التربوي بالمدارس والجامعات, من خلال (مخرجات) تعليمنا العام والجامعي, إذ أصبح لدينا خريجون يحملون مؤهلات جامعية (وما بعد الجامعية) في مختلف التخصصات المهنية, بعيدون كثيراً عن الفهم الواعي والفاعل لمجمل مجريات الحياة والمجتمع, وبدأنا نشعر ـ ضمن ما استشعرناه من أوجه فشل منجزات مشروعات التنمية وطرائق تخطيطها وإدارتها ـ بأن لدينا ـ فضلاً عن أمية القراءة والكتابة ـ أمية أخرى أفدح أثراً هي أمية الثقافة, الثقافة التي (تشكل كل تفكيرنا وخيالنا وسلوكنا, فهي أداة لنقل السلوك ومصدر دينامي للتغيير والإبداع والحرية ولإحياء فرص الابتكار, فالثقافة بالنسبة للجماعات والمجتمعات مصدر للطاقة والإلهام والتفويض وإدراك للتنوع واعتراف به)) وفي ظل هذه (الأمية الثقافية) أصبح لدينا خريج لا يملك القدرة الكافية على التكيف وعلى ممارسة دوره الإيجابي المنشود كعنصر تنموي في مجتمعه, أصبح يتوافر لمجتمعاتنا, كل عام, مجموعة من المتخصصين في الفروع المختلفة للعلوم والمهن (يتميزون) بتخلف وعيهم الثقافي والاجتماعي, من بينهم دفعات جديدة من المعلمين تدخل حقل العمل التعليمي لتعيد إنتاج نفس الممارسة المهنية أحادية النظرة, نفعية الطابع لعملية التعليم.
إنتاج التخلف
وإذا كانت هناك أسباب عديدة للضعف الواضح لقدرات مخرجاتنا التعليمية ـ الطابع البيروقراطي لإدارة العملية التعليمية, جمود المناهج التعليمية, أساليب التدريـس والتقويم القائمة على الحفظ والتلقين وعدم الخروج عن النص ـ فإن في مقدمة تلك الأسباب أن نظام التعليم السـائد منذ عقود في بلادنا قد أبعد الثقافة بكل فروعها عن المدرسة والمعـهد والجامعة (ولا يغني عن ذلك تنظيم بعض المناسبات أو الحفلات الثقافية هنا وهناك). ومن ثم تراكم لدينا قطاع واسع من المتعلمين كخريجين أصبحوا بؤرة لإعادة إنتاج تخلفنا الثقافي.
ولقد أصبحنا نجد أنفسنا, بعد عشرات السنين من خطط التنمية وممارسات الإصلاح التربوي ـ والتي صورنا لأنفسنا أنها متقدمة بينما شكلت في حقيقتها نقلاً آلياً وتجزيئياً لممارسات إصلاح تربوي لبلدان وبيئات أخرى تختلف من حيث الثقافة ونسبة التطور عن واقع مجتمعاتنا العربية ـ نزداد تخلفاً عن إيقاع الحياة ومتغيراتها من حولنا, في كل النواحي. فالسيادة انعقدت بشكل متزايد لعدم الانضباط, والاستخفاف بالقوانين, وتفكك العلاقات الاجتماعية, وهشاشة بناء مؤسسات المجتمع المدني, وتنامي النزعات الفئوية والقبلية والطائفية, والعرقية. حتى المجتمعات العربية التي توافرت فيها أحزاب علنية أصبحت هذه الاحزاب تمارس الاختلاف بشراسة متزايدة وتتبنى ممارسات أكثر تعسفاً في عدم قبول كل منها للآخر, وفي بعضها تحولت الأحزاب إلى قيادات للفرز العشائري والمذهبي.
ولاريب في أن مقدمة أسباب ذلك كله هذا النهج السائد في إبعاد التنمية الثقافية عن بناء الإنسان في مراحل تعليمه الأساسي, وهو ما أدى أيضاً, بالمقابل إلى المزيد من تدهور الوضع الثقافي بعامة في عالمنا العربي, إذ تراجع الكتاب ودوره في البناء التربوي, وضاقت الحرية أمام المسرح والموسيقى والسينما والفنون الأخرى كلها مع زيادة السكان وتنامي أعداد الجماهير المتلقية التي تربطها بالثقافة وإبداعاتها وتأثيراتها الحقة أوهى الصلات. فنمت في أوساطها بالمقابل قيم التقليد الأجوف لكل ما هو أجنبي وتسيّدت عادات الارتجال والخفة واللامبالاة في مواجهة أمور الحياة ومتطلباتها الآنية والمستقبلية.
ولاريب أن ثمن إنتاج التخلف في العملية التربوية كان باهظاً انعكس أثره على الفرد كاستثمار وعلى المجتمع كقائم ومستفيد من هذا الاستثمار. وقد بدا ذلك واضحاً في عدة مظاهر تقطع بخطورة الأمر وضرورة تداركه; فلقد انخفضت نسبة المردود من العملية التعليمية. سواء كان هذا مردوداً على مستوى المجتمع أو الفرد. فرغم ارتفاع عدد الجامعات المذهل والذي حدث في السنوات الأخيرة (152 جامعة عربية) فإنه لم يحدث نوع من التطور المحسوس في حركة المجتمع العلمية والثقافية. وعلى مستوى الفرد وأسرته صار المردود في معظم الأحوال أقل بكثير مما ينفق في العملية التعليمية. بل إن هذه العملية قد أتت عكس ما أريد لها حين رأينا العديد من الشبان الذين نالوا حظاً أعلى من التعليم وقد ضاقت بهم الدنيا وانغلقت أمامهم مسائل العقل ,تحولوا إلى وسائل انغلاق ومعاداة لا عقلانية عنيفة لمجتمعاتهم.
ولقد أثرت نوعية التعليم القائم في معظمه على التلقين والعقاب وعدم تغذية العقل وإطلاق العنان للخيال وقمع روح الفكر النقدي , أثرت كلها في عدم تخريج ثقل ملحوظ من مواطنين لهم شخصية مستقلة قادرة على الاختيار وتحمل مسئولية هذا الاختيار, مواطنين يتمتعون بروح المغامرة ومبادرة التجريب والتساؤل والقدرة على التفاعل الخلاق, أي أنها ببساطة لم تخلق مواطنا على استعداد لممارسة حقوقه الديمقراطية والذود عنها في مختلف تنظيماته ومؤسساته المدنية والسياسية.
تقدم إلى الخلف
إننا نقف الآن, ومنذ أكثر من عقد, أمام تحولات عميقة وهائلة تختم قرنا مذهلاً في منجزاته وإبداعاته, وتبدأ آخر بحصاد تربوي وثقافي متباعد الإحداثيات, حصاد لم يرتفع في كثير من معطياته ومنجزاته عن المستوى الذي بلغته معطيات ومنجزات سنوات النهوض العربي في العقود الأولى من هذا القرن ـ بل قل إنه (تقدم إلى الخلف) في بعض معطياته القيمية والثقافية والمعرفية.
وفي مواجهة ما يشهده عالمنا من عولمة متسارعة الخطى, وثورة معلوماتية واتصالية متواصلة, وتحول المعرفة إلى المورد الأغلى والأخطر أثراً في تقدم المجتمعات وازدهارها الاقتصادي, لن يصبح بالإمكان إنتاج مواطن مستقل التفكير وقادر على التعامل الإيجابي مع معطيات واقعه وعالمه إلا (بثورة شاملة في علاقة التربية بالمجتمع) على حد تعبير الدكتور نبيل علي في كتابه (العرب وعصر المعلومات), هذه الثورة محورها وركيزتها منظومة متناغمة ومتفاعلة للتعليم والثقافة,حيث تصبح الثقافة بكل فروعها وتجلياتها مكوناً أساسياً من مكونات محتوى نشاطنا التعليمي الهادف إلى تنمية بشرية فاعلة ومبدعة, وحيث يصبح التعليم ـ بمخرجاته القادرة على توظيف المعرفة وإنتاجها ـ معيناً وزاداً تتجدد به الثقافة وتعمق آفاقها.
فإصلاح الفكر يعني إصلاح التربية أولاً, بحيث يصبح دورها مؤثراً في بناء منظومة القيم الإنسانية. وهذا الأمر ينطلق من حقيقة مهمة هي أن العقل العربي مازال غير مستثمر إلى حد كبير. ويمكن اعتباره عقلاً (خاماً) في حاجة ماسة إلى توجيه إمكاناته إلى الأهداف الجديدة بزيادة وعيه الإنساني بالحضارة المعاصرة. ونحن في هذا نميل إلى جانب المتفائلين بهذا الإنسان الذي لم تترك له الفرصة حتى الآن ليحقق ذاته. ونؤمن أنه إذا أتيحت له هذه الفرصة فسوف يستخرج كل ما فيه من طاقات بناءة تجعله قادراً على مواجهة المستقبل.
خطورة القضية
ولننظر فيما يقوله الدكتور حامد عمار, صاحب العبارة الشهيرة (إن قضية التربية باتت أخطر من أن تترك للتربويين وحدهم) في العلاقة بين الثقافة والتعليم (التعليم والثقافة توأم متطابق في توليد الطاقة المؤدية إلى تنمية الإنسان والمجتمع, وإن تنوعت الوسائل والمؤسسات وفئات المنتفعين لدى كل من الأخوين.
إن كلاً منهما نبع ينهل الآخر من مضامينه ورسائله ورموزه, كما أن كلاً منهما مصب للآخر تلتقي فيه منتجاته وعوائده, ويجري ذلك في تبادل جدلي متصل لاتنقطع تياراته بين الرصيد الثقافي وحركته من ناحية, وبين مسيرة التعليم ومدخلاته ومخرجاته من الناحية الأخرى).
ولنستمع أيضاً لإيجاز هذا المفكر والتربوي العربي الكبير لموقع ذلك (التوأم) الثقافي التعليمي في نسق التنمية البشرية العربية: ( تستهدف المؤثرات والأنشطة التعليمية والثقافية تمكين الفرد ـ كل فرد ـ والمجتمع, بكل فئاته, من القدرة الواعية على التفكير والتفعيل لكل معطيات الواقع, ارتقاء بها إلى ما هو أفضل وأنفع وأجمل وأبدع لمسيرة الحياة وصيرورتها. وتتخذ لذلك من المناهج والوسائل ما يشحذ طاقات الإبداع لدى كل مواطن, على امتداد (متصل) تلك الطاقات وتدرج مستوياتها في الفكر والفعل والتأثير... وبالقدر الذي تتنامى فيه جهود التعليم والثقافة ـ كما وكيفاً, واقتراباً من توجهاتها المعياريةـ تتزايد مساحات تحرير الإنسان... فينطلق لديه فعل الحرية الإيجابي والمسئول, ليعيد تشكيل واقعه وحركة دينامياته, متجاوزاً ما يعترضه من سدود وقيود, وتلكم هي ذروة المقاصد الثقافية والتعليمية, تحرراً للإنسان بالإنسان من الأغلال ليمارس فعل الحرية في الاختيار والاستقلال).
إن بناء الإنسان, كما يقول التعبير التربوي السائد, هو في جوهره ذلك (التمكين من ممارسة فعل الحرية والاختيار) أو تلك هي (ذروة المقاصد الثقافية والتعليمية) كما يراها حامد عمّار. وإذا كان واقع الحياة الاجتماعية العربية المعاصرة أشد حاجة الآن من أي وقت مضى إلى نقلة نوعية في منظومة التربية والتعليم بوصفها ركيزة أساسية لأي جهد تنموي فاعل وشامل ـ حيث تتحول العملية التعليمية من (تحصيل كم معرفي واختبار الطالب في مدى استذكاره لهذا الكم المعرفي إلى قدرة على تحصيل المعرفة بالبحث الذاتي وتوظيف المعلومة في التطبيق وربطها بالحياة) ويتحول التعليم من كونه قضية خدمات إلى (قضية استثمار في البشر وإعداد الأمة لإطلاق طاقات الإنتاج والإبداع والابتكار الكامنة فيها.. . وآلية للتقدم الاقتصادي في ظل التنافس العالمي القائم على تميز الإنتاج واكتساب الأسواق) ويقول خافيير بيريز دي كويلار الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة في هذا الصدد (فاتسع مفهوم التنمية ذاته عندما أدرك الناس أن المعايير الاقتصادية لا يمكن أن تؤلف وحدها برنامجاً لكرامة الإنسان ورفاهيته). (فتقاس التنمية في إطارها بمجموعة واسعة من القدرات تتراوح بين الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفرص المتاحة للفرد في أن يكون سليماً معافى ومعلماً ومنتجاً ومبدعاً يحترم ذاته وينعم بحقوق الإنسان) وبالتأكيد للوصول لهذا الواقع المأمول لا بد من أن ينتقل (الأداء التعليمي والتربوي من أسلوب الحفظ والتلقين الجامد إلى نهج تنمية قدرات التفكير الناقد وحل المشكلات والتعلم الذاتي بمناهج الثقافة وأدواتها, وتتحول عملية إدخال تكنولوجيا المعلومات إلى المدارس والجامعات من مجرد اقتناء مظهري ساذج لأجهزة الحاسب الآلي (الكمبيوتر) ووصلات الإنترنت إلى قدرة على التعامل مع هذه التكنولوجيا وإدارتها وتوظيفها في اكتساب الخبرات).
منظومة التعليم والثقافة
إذا كان ذلك كله بمنزلة متطلبات أساسية لتفعيل العلاقة بين المنظومة التعليمية التربوية والمطالب الراهنة والمستقبلية لمجتمـعـاتنا العربية, فإن واقع الحياة الاجتماعية العربية المعاصرة هو أشد حاجة أيضاً من أي وقت مضى لتزاوج منظومتي التعليم والثقافة وإغناء التـكـامل بينهـمـا في برامج وأنشطة مواقع التعليم العربية على جميـع مستوياتها ومراحلها, إذا ما أردنا لجهود التنمـية في بلادنا أن تتحـرك في اتجاه التنمية الحقة ولتكون شاملة ومواكبة للمستجدات المتسارعة لعالم القرن الحادي والعشرين.
وربما كان من بين الخطوات الضرورية لذلك التكامل والتفاعل بين (توأم) الثقافة والتعليم في مجريات العملية التعليمية اتخاذ إجراءات أساسية منها:
مراجعة النظم التربوية الحالية من منظور توفير رؤية تكاملية بين المحتوى العلمي للنشاط المدرسي وروافد التثقيف الأخرى, كإدخال دراسات ومواد ثقافية وفنية نوعية مختلفة ضمن مناهج التدريس بما يتناسب مع المراحل السنية للمتعلمين, وإدخال النشاط الفني كالمسرح والموسيقى والتشكيل والأدب, ضمن الأنشطة التعليمية الرسمية. والتنسيق بين المؤسسات العاملة في حقل الثقافة والمؤسسات التعليمية في مجال إثراء برامج إعداد وتدريب المعلمين بالمواد التثقيفية التي تؤهلهم للتعامل العلمي والفكري مع مهمـتهم التربوية, وقيام تعاون كامل بينهما في مجال توفير الإمكانات اللازمة لممارسة الأنشطة الثقافية المتنوعة في المدارس والمعاهد والكليات, من تجهيزات وكوادر إشرافية مختصة.
ونأتي لأهم إجـراء يجب أن يتخذ وهو أن يتم إدخال المواد الثقافية في صلب المناهج الدراسـية, واعتبـار النمو الثقافي للمتعلم أحد العناصر الرئيسية في تقييم أدائه التعليمي من حيث النجاح أو الرسوب, وأن يكون للمتاحف والآثار والمسارح ومراكز النشاط الثقافي دور بارز في دعم العملية التربوية ضمن برامـج إجباريـة لمؤسسات التعليم بكل مراحله ويأتي دور المكتبـة الحديثـة بكل وسائلها ووظائفها باعتبارها مركزاً أساسياً لمصادر التعليـم, وجزءاً لا يتجزأ من العملية التربوية, فوضع الكتاب بين يدي الطالب أجدى وأنفع, من حشـر عدة صفحات في ذاكرته يتخلص منهـا نسياناً, حال انتهـائه من أداء امتحانه الإجباري!
إن غياب التناغم والتكامل بين منظومتي التعليم والثقافة في عالمنا العربي أدى إلى ما نحن عليه اليوم من تخلف شامل في قطاعي التعليم والتربية وانعكاس ذلك التخلف على كل مناحي حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسـيةكمـا لو أن مؤسساتنا التعليمـية المتنـائية عن الثقافة معظمها قد تحول إلى آلات بلا روح وبلا قلب تخرج أنماطا جامدة من المتعلمين او الأميين الجدد.
وإنني لآمل في نهاية حديثي هذا أن أكون قد نجحت في وضع الأفكار التي وردت فيه بداية لنقاش متعمق وشامل بين رؤى مفكرينا ومثقفينا وتربويينا المهتمين لمختلف أبعاد أزمتنا التربوية المزمنة وسيسعدنا في (العربي) أن تكون صفحاتها منـبراً لهذا النقاش الوطني على امتداد الأرض العربية, والذي بات أكثـر إلحاحاً من أي وقت مضى.