ثلاثة أعوام على رحيل الروائي الكبير الطيب صالح
عانيتُ من ألمٍ وسُهدِ
وبذلت يا سودان جَهدي
أرتاعُ كُلَّ صبيحة
من فعل قدرٍ مُسْتبدِّ
أبكي يُمزِّقُني النجيبُ
وليس لي في الكوْنِ معْدي
ويدي تطارِدُ ماطلات
الدَمْعِ من خدٍّ لخَدّ
***
يا دهرُ قد ذَهَبَ الصِحَابُ
وصِرْتُ في الغَبْراءِ وَحْدي
ذهبوا جميعًا تاركينَ
معي الحُثالةَ والتَردّي
ذهَبُوا فَمالي صاحبٌ
أشكُو له أَلمي وَكدِّي
ذهبُوا وتركُوا المُضحكاتِ لها
جبينُ الأدَب يُندي
وتقاذفوا صَوْبَ اللحودِ
كَضَيْغم في إثرِ وَرْد
عُمَّتْ سحائبُ كُرْبتي
وتبدّدَتْ آفاقُ سعدي
حتى ولوْ أُلقي التحيَّةَ
لا أفوزُ بأيِّ ردِّ
فوجُودُهُمْ وغيابُهُم
قد أصبحا سيّانَ عندي
***
يا صاحبَ الرأْي السديدِ
وسيِّد القَوْلِ الأسَدِّ
أستاذَ جيل العارفين
المدركينَ وخَيْرَ جُنْدِ
أدَّيْتَ دَوْرَكَ في الثقافةِ
لم تَدَعْ شيئًا نُوَدّي
قد كُنتَ سيلاً عارمًا
من غير بَرْق، دونَ رَعْد
فملأْتَ أركان الدُنى
بالمُستطاب المُسْتَجدّ
واهتزّ للقول البديع
الرُسُلُ من شِيبٍ ومُرْدِ
وكنْتَ بَحْرًا للعلوم
ومقصدَ الفَطِن المُجدِّ
لا يعتريكَ الجذرُ إذْ ما
ظِلْتَ مَطبُوعًا بِمَدِّ
***
يا ابن صالحَ لَيْتَ لي
خِلاً يُشاطُرني التَصَدِّي
فالحظُّ والقدرُ اللئيمُ
وعاذلي يقفُون ضدِّي
أسمُوك بالطيّب فيما
صرتَ مَطبُوعًا برفْد
ونشأت محمُودَ الخِصالِ
وحَظْوَةً لأبٍ وَجَدّ
لم تعرفْ اللّهْوَ البريءَ
ولا سَبَاكَ جميلُ قدِّ
وغَرقْت في بَحْر البلاغةِ
لم تَزُرْ وَكْرًا لنَرْدِ
ظلَّ الكِتابُ مُرافقًا
يحميكَ من حَرٍّ وبَرْدِ
ومِنْ مكَابَرةٍ ومن لغْوٍ
سَقيمٍ غَير مُجْدِ
***
في «رِينز» كَمْ أَمْتَعْتَنَا
وَغَمََرْتَ سامِرَنا بوُدّ
نقضي طوال الليل فَرَحًا
لا نملُ لأيّ سَرْدِ
قد كُنتُ أعلمُ إنْ فَنَيْتَ
سَيَسْتَحيلُ وُجُودُ يذّ
وذهبْت، فاهنأ يا ظلامُ
لشَمْعَةٍ من غَيْر وَقْدُ
لا تَحسبنَّ الموْتَ سوفَ
يُزيلُ ما قد كُنْتَ تُسدي
إذ أنت خالدُ أُمَّة
وحَلَتَ في دارٍ لِخُلْدِ
يكفيكَ أنَّك قد سلكْتَ
سبيلَ نُكْرانٍ وزُهْدِ
يكفيكَ أنَّك ما بخلْتَ
وكُنْتَ تفرحُ حينَ تُهْدي
ستظلُّ في الأحداقِ حتى
لَوْ سَكَنتَ بِجَوْفِ لَحْدِ
فـ«الدَوْمَةُ» الثكلى تَئنُّ
حزينةً من نارِ بُعْدِ
ونساءُ «عُرسِ الزين» صِرْنَ
أراملاً من هَوْلِ فَقْدِ
فهكذا حَكَمَ الإلهُ
ونَرْتَضيهِ بِلا تَحدِّي
تاج السركنة - السودان
أرواح وأحلام
فتحت النّوافذ على بحرِ العَدَمْ
فلم أجد سِوى... العدم
ووجوه باهتة
وقُلوب تائهة
أرواح تسبحُ بلا أرواح
أرواح تركض خلف أجسادها
وأجسادٌ تهرُبُ من أرواحِها
لكن إلى أَيْنَ نهرُب؟
ولماذا نَهْرُب؟
هل نهرب من الأرض الناشفة التي سقتنا؟
أمْ نَهرب من القلبِ الجافّ الذي أحبّنا؟
هل نهربُ من ماضينا.. أم من مستقبلنا؟
بلْ نهربُ نَحْوَ حلم نحفرُ فيه
نحفرُ فيه قبرًا بلا حدود ونَدْفِنُ فيه أحلامنا
يا ليتَنا نَرْسُم عالمًا يجدّد آمالَنا
فتلتقي الأرواحُ والأجسادُ وتزولُ
آلامنا
هادي ياسمين - الجزائر
غزالٌ شَارد!
ريمٌ تفرَّدَ في الجمال بسِربِهِ
بِرَهافةِ القدّ الجميلِ سَبَاني
وتمهّلَ الخطوَ الجميل لكي بما
يَحويه من حسنٍ بِطرفِ عِيانِ
يُملِي أوامرَهُ عليَّ.. فقالَ لي
لِمَ ذا تُحَمْلِقُ كالفَتى الهيمانِ
أو سحرُ عيني الجميلِ وحُسْنِهِ
أعزاكَ بالتّحديقِ كالعَطْشانِ
اقْنَعْ بِما مَلكَتْ يَداك فإنما
كُل الحِسانِ بهنَّ حسنٌ ثاني
الحسّنُ ليس بحسنِ طرفٍ ساحرٍ
الحسنُ أنواعٌ بِهِنَّ يماني
أو في الكنانةِ أو دمشق وبما
في أرض بغداد، وفي لبنان
أو في الجزائر والرباط وتونس
أو في الخليج وأردنٍ وعُمانِ
كل الإناث بهنّ حسن رائع
يلتذ من في الذوقِ فذَّ معاني
الحسنُ يُدرِكُهُ الشفيف تذوقًا
في الخد في العينينِ والتحنانِ
وهو المهم من الحبيبة عيشة
كيما بها نحيا بعيش جِنان
عبدالله محمد المساوي - الإمارات
في موعد الغيوم
تقابَلا
في موعدِ الغيوم
بُرْعُمًا وجدولاً
تقابلا.. ففاضَ في عَيْنيهِما الحَنينُ
راحِلاً ومُقبلاً
تَكلّما.. كأنّما تَعْندلا!
تفجّر الحنينُ فيهما واسترسلا
تبادلا
شوقًا يقرُّ في العيونً هائلاً
تَلامَسا.. كأنّما تداخلا!
وغابَ لَيْلٌ مُغتمٌ
لضوءِ سرّ انجلى
تراقصا.. كنجمتين تومضانِ فَزحة
كَنَغْمَتْيْنِ في الهواءِ للبعيدِ تَرْحلا
تعانَقَا
وسافرَ النَّعيمُ في روحَيْهِمَا.. فما تمهّلا
تساءلا: وهل يدوم ذلك الحنينُ سرْمدا
يدوم ما قد أملا؟
تأملا.. نهرًا يُرقرق الغناء في قلبيهما
وموعدين للشروق في العيون أقبلا
تضاحكا..
وأفسح النعاسُ في روحيهما
مدى
فسافرا للحلُم نائمَين في حدائق الربيعِ
زهرة وبلبلا
حمزة قناوي - مصر