مما يؤسف له أن الكثير من الأسر يقصر في النهوض بواجب الرعاية اللازمة للحدث ذي السمات الخاصة.
تلقين الطفل علماً يتفق مع هواه, يتطلب أن يكون التعليم إلزامياً ومجانياً بالنسبة للأسر محدودة الدخل والفقيرة, وأن توقع عقوبة ضد كل رب أسرة يهمل في واجب تعليم ابن من أبنائه, وأن تكافح ظاهرة غياب الصبي عن المدرسة والهرب منها بتوقيع عقوبة على أصحاب دور الملاهي الذين يقبلون فيها أحداثاً أثناء ساعات الدراسة, وتعبئة عدد كاف من الشرطة النسائية ليتعقبن في شوارع المدينة وزواياها الأحداث الذين يتسكعون أثناء ساعات الدراسة, أي في الأوقات التي من المفروض أن يكونوا فيها داخل المدارس. والحكمة من تخصيص شرطة نسائية لهذه المهمة, هي أن رجال الشرطة بسترتهم المألوفة, تحدث رؤيتهم لدى الصبي أثراً سيئاً يولد في نفسه سخطاً ويبغض إليه المجتمع. وإنما لامانع من أن يستعين البوليس النسائي ببعض رجالاته ـ عند اللزوم ـ بشرط أن يرتدي الأخيرون الملابس المدنية, وعلى أن يكون هؤلاء مدربين تدريباً خاصاً يجعلهم أهلاً لمعاملة الصغار على الوجه اللائق بهم, والمتفق مع المقتضيات التربوية.
ويجب أن يحدث اتصال بين المدرسين وأولياء التلاميذ وأن تعقد مجالس للآباء تضم معظم المدرسين ليحدث تبادل في وجهات النظر حول مشاكل الصبية وما يتطلبه علاج كل مشكلة.
إن تظفير الحدث بالتعليم الذي يتفق مع هواه أمر جوهري للغاية, إذ يتوقف عليه أن تنشأ لدى الحدث رغبة في العلم ذاته واستعداد لمتابعة دروسه وعدم النفور أوالهرب منها, فهناك من يهوى الثقافة النظرية ولديه من الجلد والاستعداد الطبيعي ما يؤهله للمثابرة عليها والتقدم فيها, ولكن هناك من لاتصادف هذه الثقافة هوى في نفسه, ويكون الأجدى معه أن يتلقى ثقافة عملية أكثر منها نظرية أي فنية أو صناعية أو تجارية, أو يتعلم حرفة يدوية ما. وهذا ـ بالقطع ـ يتطلب إنشاء هيئة للتوجيه الدراسي تكون مهمتها استظهار الاستعداد الطبيعي لكل صغير وتوجيهه إلى نوع المدرسة والدراسة المتفقة مع ميله الذاتي, وذلك في نهاية المرحلة الابتدائية.
وسائل علاجية
ولايكفي في صدد السينما والملاهي منع الأحداث الصغار من مشاهدة أفلام معينة, أو حظر ما يكون من مطبوعاتهم محتوياً على صور إيحائية سواء في نطاق الإجرام أو في نطاق التمازج الجنسي, وإنما يلزم فوق ذلك تنشيط أساليب الإنشاء والتأليف سواء في مجال السينما أو في مجال الكتابة الروائىة, لكي يزود المجتمع بأفلام, وكتب جيدة بناءة للأحداث نافعة في تثقيفهم وتربيتهم وقضاء أوقات فراغهم فيما يعود عليهم بالثمار الطيبة. كما يلزم إنشاء الأندية الخاصة بالأحداث وتبصير الجمهور عن طريق وسائل الإعلام والمطبوعات بأخطاء انحراف الأحداث وطريقة تفاديها.
وفيما يتعلق بالأحداث المتخلفين عقلا او الخاملين ذكاء فإن حل مشكلتهم لا يأتي إلا بإفراد فصول خاصة بهم تتميز بقلة عدد التلاميذ في كل فصل منها, حتى ينال كل منهم نصيباً وافياً من عناية, وتوضع لها مناهج خاصة تتفق مع الحالة الذهنية والعقلية لتلاميذها, على أن يترك للتلاميذ حرية في الحركة والتصرف مع إمدادهم بالمساعدة والتوجيه, ويخضعون لأساليب الطب النفسي الكفيلة بعلاجهم. ويلاحظ أن الغرب قطع شوطا طويلا في هذا المجال, بدءاً من تعيين صفوة المربين المؤهلين خصيصاً لتعليم هؤلاء, وحتى إنشاء معاهد متخصصة تعمل بنظام اليوم الدراسي الكامل, بل والمبيت داخل الثكنات العلمية, وتهيئة فرص التدريب الحرفي والمهني على أعلى مستوى. وتسجل آخر الإحصاءات الألمانية إسهام هذه الفئة في الأعمال اليدوية بنسبة عالية, بل وصل الأمر إلى إقامة منشآت إنتاجية تستعين بهم في تشغيل طاقاتها, لدرجة أن بعض القطاعات تشترط في المتقدمين للعمل بها أن يكونوا من ضمن هذه الفئة, تلقى تعليمهم الأولي.
أما علاج الشخصية العاطفية والاجتماعية للحدث فإنه يكون بتغذية شخصياتهم بالعلم. وهذه المشكلة تتطلب حذقاً وحرصاً من جانب المدرسين في الكشف عن كل انحراف نفسي أو عاطفي ينم عنه سلوك بدر من الصغير داخل الفصل أو خارجه وفي غمرة اتصاله بأقرانه. وتقتضي المشكلة ذاتها أيضا أن يلحق بكل مدرسة قسم للتطبيب النفسي وآخر للخدمة الاجتماعية.
في الطب التربوي
إن الوقاية من انحراف الطفولة لاتقف عند حد ما تقدم, إذ لابد من أن ينشأ مركز عام للطب التربوي يضم أخصائيين من الأطباء النفسيين والعصبيين ذوي الخبرة في الأحداث, فضلاً عن عمال وعاملات للخدمة الاجتماعية, كي يعرض على هذا المركز كل حدث جاءت به إليه أسرة الحدث نفسه أو مدرسته أو إحدى العاملات في الشرطة النسائية للأحداث, فيفحص المركز هذا الحدث من جميع الوجوه ليشير في شأنه بما يلزم لعلاج انحرافه, ويحيله إلى المؤسسة المناسبة لعلاجه إن كان لذلك وجه. ولاشك أن مثل هذا المركز يمكن أن تكون له أهمية كذلك في صدد الأحداث المجرمين الذين يحالون إليه من محاكم الأحداث.
ولقد آن الأوان على المستوى العربي لتطوير أداء مراكز الطب التربوي الإصلاحي على غرار مستشارية الطب التربوي الإصلاحي كما في إيطاليا وهي المعروفة باسم Consultorio di Medicina Pedagogica emendativa والتي تقبل الأحداث وتتولى أمرهم عند الضرورة من جميع الوجوه, وسواء كان الحدث مجرماً أو معرضاً للانحراف.