مختارات من:

أمير الابتسامة الدائمة

فاطمة حسين

مقدّر, ومكتوب, أن يأتي سمو الشيخ صباح الأحمد أميرًا لدولة الكويت, وفي هذه الحقبة بالذات من هذا الزمن. فالكويت دولة صغيرة وحديثة نسبيًا, والقيادة السياسية غالبًا ما تطبع بصماتها الذاتية على مسار الوطن في زمانها, مهما تعمّقت الرواسي التأسيسية ونمت المؤسسات فيما قبلها. إلا أن جديدًا لابد من ظهوره في الصفحة الجديدة بعد طيّ سابقتها. الأمر الذي يبدو غاية في البساطة والسهولة بالعودة إلى من سبق سموّه في الجلوس على المقعد ذاته.

مع مؤسس الدولة الشيخ مبارك الصباح الملقب بـ(الكبير), أشعلت أول شمعة حين بدأ التعليم الأهلي ثم سار في نمو, أيام من لحق به حتى أصبح حكوميًا أثناء حكم الشيخ أحمد الجابر, والذي أدار أول عجلة ضخ للنفط - العملة الجديدة حينذاك. مسجلا بذلك الانعطاف الجديد الذي قاد باتجاه ازدهار التربية والتعليم والتعهد الحكومي. هذا ما مهّد الطريق أمام خلفه الشيخ عبدالله السالم ليبني قواعد الشورى على أسس حضارية متينة. فكان الدستور, وكان مجلس الأمة عام 1963. وما أن تسلم الأمانة من بعده الشيخ صباح السالم حتى مارس التفعيل الإيجابي بتقنين الصرف والتعامل مع إنكار الذات بتخفيض مخصصات الحاكم. وتسلم الأمانة الشيخ جابر الأحمد رجل الاقتصاد الكويتي في الزمن الذي أيقن فيه العالم, وأعلن أن الاقتصاد هو الرأسية الأساسية لبناء الأوطان سياسيًا. فكان الرجل المناسب في المكان والزمان المناسبين. قاد الكويت خليجيًا وعربيًا وعالميًا عبر الدهاليز الاقتصادية الحديثة توفيرًا واستثمارًا وانتشارًا, وما إن صارت الكويت في عيون العالم والعالم في عيون الكويت حتى ودّعنا الراحل الكريم, وعلق أمانته في رقبة الشيخ صباح, الرجل الذي يعرفه العالم أجمع معرفة قد تتفوق على معرفتنا نحن - كشعب - عنه. رجل صاغ للكويت اسمًا ذهبيًا مستخدمًا علاقاته الدولية. وبالأدوات الدبلوماسية, أضاء طريقها على المستوى السياسي الدولي, وأثمر ذلك في تيسير أمورها أثناء فترة الاحتلال عام 1990.

***

هذا الرجل عملت - شخصيًا - تحت مظلته أوائل أيامي وأيامه في وزارة الخارجية (منتصف الستينيات). ورافقته إلى مؤتمر دول عدم الانحياز الذي عقد في كولومبو منتصف السبعينيات, حين أدخلني جميع الدهاليز الدبلوماسية المحرّمة على الإعلاميين بحجة كوني مترجمته.

والتقيته أيضًا وزيرًا للإعلام, ورئيسًا للمجلس الأعلى للإعلام الذي تشرّفت بعضويته في منتصف الثمانينيات, وكان يطلق على اللجنة التي كانت تضمّني وزملائي - تندرًا - (لجنة فاطمة), وبين هذا وذاك وذلك, كنت ألتقيه دومًا, وفي مناسبات مختلفة, ويظهر لي اللافت في سلوكه ذاك النشاط وحبه للحركة والتنقل السريع ما بين الأفكار والشخوص والمشاهد, وبدا لي ماقتًا للروتين والرتابة, وكأن من مهماته كوزير للخارجية أو رئيس للوزراء وغذاء لمتطلبات شخصيته, وهذا إرث متميز لمن يتصدّر سدّة الحكم وحصيلة علمية وعملية لمن يجلس على كرسي الإمارة, فالقيادة قدرة واقتدار, وله منها مخزون عظيم. والقيادة قدوة, وهذه قد احتلت مساحة كبرى من اهتمامه من لحظة ملازمته لسمو أميرنا الراحل.

بصراحة, أقول هنا إنه من الصعب عليّ شخصيًا أن أتخيل الصورة الرسمية لأميرنا الجديد دون ابتسامته, وإن حدث ذلك وفرض عليه بروتوكول المناسبة أن تكون كذلك, فإنني أتصور أن ابتسامته ستعلنها ثورة تنضح من عينيه, فهي قد أصبحت - عنوة - جزءًا لا يتجزأ من ملامحه, وإن غابت, فصعب علينا التعرف عليه, كما حدث عندما غيّب الموت وحيدته (سلوى) طيّب الله ثراها برحمته, ولما كان الحزن ضيفًا ثقيلاً لا يترك موقعه دون جرجرة ذيوله, فإنني أذكر له بهذه المناسبة جملته التي قالها لي متحدثًا من نيويورك, إذ قال (الله يقطعك.... أبكيتني البارحة)... قالها مبتهجًا بحزن أو - ربما - كان حزينًا بابتهاج, معلقًا على قوة تأثيري على أعضاء مجلس الأمن أثناء تقديم شهادتي عن معاناة أهلي في وطني الكويت - تحت الاحتلال -.

***

هذا هو أميرنا الجديد والذي مرّ صعوده على الكرسي بأزمة عميقة وقصيرة المدى, أظهرت معدنه الأصيل, وأثبتت أن أسرة الحكم وأسرة المحكوم في الكويت, إنما هي أسرة واحدة تتبادل الثقة والمحبة والحرص على متانة العلاقة.

ليحفظ الله أميرنا, ويسدد خطاه, وليجعل منه خير خلف لخير سلف.

فاطمة حسين مجلة العربي مارس 2006

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016