عندما يولد الطفل تكون ذاته غير متكونة ، وهي تبدأ في التكون بصورة تدريجية نتيجة للتفاعل مع محيطها وذوات الآخرين. إنه سلوك مكتسب يتكون قبل مرحلة البلوغ وتلعب فيه البيئة دورا مهما.
إن الذات منظمة تنظيما تصاعديا وهي مؤلفة من عدة منازل يجري اكتسابها في سياق النمو والتجربة والمحيط. والمنزلة الأولى هي الأكثر أهمية إذ عليها يرتكز إطار الشخصية الأساسي ، وتمثل الأم فيها دورا حاسما من حيث أثرها في تكوين شخصية الطفل. أما الأصعدة الأخرى التي تشمل التعلم في الطفولة والمراهقة، والإدراك والوعي في سن البلوغ ، فهي ذات أهمية. وتشكل طرق تربية الطفل عاملا مهما في تعيين نوعية الشخصية من حيث تقبلها لمحيطها وارتباطها بمجتمع معين ودلالتها عليه. لذا فإن فهم طرق تربية الطفل يؤدي إلى فهم السلوك ودوافعه ويبعد الصدام (الصراع) مع الطفل.
إن التصرف والمواقف التي يتخذها الآباء ضمن العائلة تؤثر تأثيرا مباشرا في نمو الشخصية ، وذلك لأنها ترتبط بحاجات الطفل الأساسية وتأمين استمراره بالوجود وتمتعه بالاطمئنان العاطفي والفسيولوجي من جهة ، وتجهيزه وتحضيره للانخراط والإندماج في محيطه من جهة ثانية. وغالبا ما يأخذ هذا التصرف والسلوك شكل قولبة له ومحاولة لصهره في البيئة والمحيط الموجود ذا حساسية مفرطة لشروط البيئة وسائر العوامل المؤثرة فيه ، فينتج عن ذلك ردات فعل قد تكون سلبية أحيانا وقد تقود إلى الصدام أحيانا أخرى.
اختلاف جداول الأعمال
بالإضافة لما سبق ، فإن علاقتنا بأطفالنا منذ البداية تحكمها عوامل عدة مختلفة وتجب الإشارة في شرح هذه العلاقة إلى أن التجارب التي يحياها الطفل خلال السنوات الخمس أو الست الأولى من حياته وعملية تثقيفه وتعليمه تقرر تركيب شخصيته مدى الحياة. لذا فإن عملية تربية الطفل وتثقيفه خلال هذه السنوات تكون حاسمة بالنسبة لفرد وبالتالي للمجتمع. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه العملية لا تخلو من الصدام الحقيقي بين الأطفال والآباء. وهذا الصدام ناتج عن حقيقة أن لكل منهم جدول أعمال وبرنامجا مختلفا عن الآخر. فالطفل ، كونه طفلا ، لديه جدول أعمال محدد ومبرمج فهو يريد اكتشاف محيطه الجديد والبحث عن سبل التمتع بحياته واللعب واللهو. أما الآباء فيريدون من خلال جدول أعمالهم أن يستكين الطفل ويضبط نفسه ويهدأ بأي وسيلة كانت حتى لو اضطرهم ذلك إلى الصراخ والصدام أو الضرب أحيانا .
لا للضرب. .
غالبا ما تبدأ مشاكل الأطفال ومشاغباتهم عند بلوغ الثانية ، إذ يدفعهم حب الفضول إلى التعرض لأي شيء يصل إلى أيديهم. فهم يعبثون بأي شيء ويدمرونه سواء كان ثمينا أو رخيصا وقد يمزقون الأوراق الثمينة والمهمة ويسكبون الطعام على السجادة والفرش مما يثير غضب الوالدين ويدفعهما لمعاقبة الطفل إما بالضرب أو الصراخ أو اللوم والتوبيخ. وتكون النتيجة أن يكف الطفل عن الأذى ويجهش بالبكاء ويظهر غضبه تجاه والدته أو والده ولكن لفترة قصيرة ينسى بعدها كل شيء ويعود إلى العبث من جديد.. وإذا استمر هذا الأسلوب مع تقدم العمر فإن له عواقب خطيرة على الطفل حيث يفقد الإحساس بالأمن والاستقرار ويتولد داخله الإحساس بالعدوان والرغبة في الانتقام فتكتسب شخصية هذا الطفل العناد والأنانية وتغلب عليه في النهاية أعراض التوتر والقلق ويصبح بمنأى عن الأصحاب والرفاق والأتراب ويميل إلى الانطواء والعزلة مما يؤدي به إما إلى انحراف السلوك والجنوح والإجرام والعدوان أو إلى الاستكانة والاستسلام مما يؤثر سلبا في نموه العقلي والنفسي فيفشل ويتخلف وتظهر عليه اضطرابات الشخصية في طفولته ومراحل عمره التالية.
إذن قبل أن نتحول إلى الصدام اليومي مع أطفالنا يجب ان ننظر حولنا ونتفهم طبيعتهم ونحلق لهم الجو المناسب لإشباع حب الفضول لديهم ورغبتهم في اكتشاف محيطهم آخذين بعين الاعتبار أولا : تأمين شروط السلامة من حيث إبعاد جميع مصادر الخطر عن طريقهم ، مثل منابع الحرارة والنار وأعواد الثقاب ومآخذ الكهرباء والأدوية والعقاقير الكيمائية ، والسلالم وإبعادهم عن أماكن السقوط والخطر والحيوانات المؤذية وغيرها في المنزل كانت أم خارجه..
وثانيا : إعطاء الطفل ما يشغله ويتلهى به لأنه إن لم يجد ما يشغله فإنه سيواجه نشاطه إلى الإزعاج والتخريب. فالضجر يولد السلوك المشاغب الذي يمكننا تجنبه بخلق الجو المناسب للطفل أينما كان وذلك عن طريق توفير الألعاب له مثل الدمى والكتب والألعاب المختلفة.. والخروج من المنزل لمدة ساعتين يوميا على الأقل وترك الطفل يقفز ويرقص ويركض ، كما نشاركه في بعض اللعاب وخاصة الرياضية لأنه يستمتع بها كثيرا. ومن خلال مشاركته باللعب والألعاب يمكن تعليمه وتوعيته لأن اللعب من أفضل الوسائل والأساليب لتعليم الطفل إذ تكون استجابته أسرع وتقبله أفضل. فاللعب يوفر فرصة ممتازة للآباء للشرح والتوضيح والتفهيم ، ولا ننس أن بقاء الطفل دون لهو أو حركة ولو لمدة خمس دقائق يشكل بالنسبة له ضيقا يشعره إن الدقائق الخمس هذه تعادل العمر كله.. إذن نعم للتوضيح والتفهيم لأنه الأسلوب الأمثل لردع الطفل وثنيه عن القيام بالمشاغبات الفطرية. أما إذا كان الطفل تحت الثالثة من العمر فإنه يكفيه نظرة غاضبة أو صرخة عالية كي يستوعب ولو بنسبة قليلة أن ما يقوم به من عمل يعتبر محظورا وغير مرغوب فيه.
تطويع المحيط لصالح الطفل
اكتشاف المحيط والتعايش معه يساعد الطفل كثيرا على تأمين وقضاء حاجاته. ومن هنا على الآباء ألا يدخروا جهدا في سبيل تدريب الأطفال على التعايش مع المحيط لجعل حياتهم أسهل. فبدلا من أن نسعى إلى جعل أطفالنا يتأقلمون مع محيطهم ، لماذا لا نحاول تطويع المحيط لصالح الطفل بحيث يسهل التعامل معه مما يشجعه على تطوير قدراته ويعطيه الفرصة على تحقيق بعض حاجاته بعيدا عن الاتكالية والشعور بالعجز مما يولد عنده روح المسئولية ويطور مهاراته الشخصية. وهناك بعض الإجراءات والسبل التي تساعد على تحقيق ذلك منها : شراء ملابس للطفل وأحذية مناسبة يسهل عليه ارتداؤها بنفسه ، ولكي يميز فردة الحذاء اليمنى من اليسرى يمكن وضع حرف أو إشارة معينة تدل على اليمنى وأخرى ليسرى ، وضع كرسي منخفض أمام المغاسل بالحمام وإعطاء الطفل ادوات طعام غير قابلة للكسر ومن الحجم والمقاس الخاصين بالأطفال. وعند تقديم الشراب له يفضل الا تملأ الكأس تماما ، وفي حال سكبه للماء على الأرض أو إسقاط قطرات منه يجب توجيهه لمسح الماء المسكوب وتنظيفه بنفسه. كما يجب تدريب الطفل على أن يكون نظيفا وأنيقا وذلك بوضع علاقات الثياب بمستوى منخفض يتناسب معه ، ووضع سلة ملونة في غرفته ليضع فيها ملابسه المتسخة عندما يخلعها ، وحاويات خاصة بالألعاب أيضا ليضع فيها ألعابه عند الانتهاء من اللعب بها .
ولفتح الأبواب بسهولة يفضل تزويدها بمقابض مناسبة يمكن للطفل استخدامها.
وعندما يتوجه اهتمام الطفل إلى المطبخ والثلاجة ، يحبذ وضع وعاء من الفواكه المفرومة في متناول يده وتشجيعه على إطعام نفسه عندما يكون جائعا. أما الإخراج فهو شيء مهم أيضا ويستلزم وضع النونية طوال الوقت في مكان معين بالمنزل.. وأخذها أيضا عند الذهاب خارج المنزل. ولمساعدته على الإعتماد على نفسه في استبدال ثيابه المتسخة وارتداء الملابس النظيفة وتعرف مكانها ، يمكن وضع صورة للجوارب والملابس الداخلية على المكان الموجودة فيه وصور أخرى للقميص والبنطال على الدرج أو باب الخزانة الموضوعة فيها هذه الثياب. وعند التسوق أو السير في شارع مزدحم يفضل ترك الطفل في عربته أو استخدام رباط قصير لإبقائه قريبا.
والانتقال من وضع إلى آخر صعب جدا بالنسبة للطفل ، لكنه ليس مستحيلا فكل ما نحتاج إليه هو التفكير بخطة مناسبة لجعل الطفل يتقبل هذا الانتقال . فيمكن استخدام منبه خاص على سبيل المثال لإشعار الطفل أن وقت التغيير قد حان وهذا يعطي الطفل الشعور بالمسئولية تجاه نفسه إذ يمكن إفهامه أنه عندما يسمع صوت المنبه يكون وقت الحمام قد حان وعليه الدخول إلى الحمام بنفسه للاستحمام.. ومن الضروري أيضا لحمل الطفل على التقبل أن يعطى شيئا بديلا للذي بين يديه في حال أخذه منه. فإذا كان يقوم بتمزيق أوراق النبات في المنزل فلابد من إعطائه أوراقا وصحفا ليمزقها بدلا عنها.. وإذا كان يكتب ويخربش على الجدار يمكن إعطاؤه كتابا ملونا بديلا لثنيه عن مواصلة الخربشة والكتابة على الجدار. وفي مثل هذه الحالات والحالات الأخرى عند انتزاع أي شيء من الطفل دون تعويضه بالبديل فإن ذلك يولد لديه ردة فعل غاضبة ومؤثرة .. لكنه يقبل بالتأكيد البديل دون إحداث أي جلبة أو ردة فعل.
الشرح والتوضيح وتوفير المحيط المناسب للطفل الذي يؤمن حاجاته ومتطلباته تعد من أهم العوامل التي تساعد على تفادي الصدام مع الطفل وتجعلك تشعر بالارتياح وتبعد عنك التوتر والانفعال من جهة ، وتقطع الطريق على طفلك إلى إثارة المشاكل والإزعاج والمشاغبة من جهة ثانية مما ينعكس بجو إيجابي ملؤه السعادة والهناء للجميع.