مختارات من:

المفكرة الثقافية

مجموعة من المؤلفات

جائزة الشيخ سالم العلي للمعلوماتية


ازدانت قاعة سلوى صباح الأحمد بحي السالمية في الكويت بحضور حشد من الإعلاميين والمسئولين الكبار، في احتفالية رعاها وزير الإعلام السابق الشيخ صباح الخالد، تلك الاحتفالية التي يقيمها مجلس أمناء جائزة الشيخ سالم العلي الصباح للمعلوماتية سنوياً، من أجل تكريم المتطوعين في لجانها.

وقطعت الجائزة شوطاً كبيراً عبر اهتمامها بالشأن المعلوماتي، ورصد الجوائز للمتسابقين في هذا المجال الحيوي المهم، ليصل عمرها إلى 8 سنوات، منحت فيها الكثير من الدعم والتشجيع للذين يجتهدون في سبيل البحث عن المعلومة، والالتقاء بالأفكار في أشكالها المختلفة.

وحظي الحفل بإشادة الشيخ صباح الخالد - في كلمته - بجائزة سمو رئيس الحرس الوطني الشيخ سالم العلي بمنجزاتها وأنشطتها المختلفة، تلك التي تأتي في إطار التأكيد على أهمية التنمية المعلوماتية في شتى المجالات، وكذلك بالدور الحضاري والتنموي الذي تقوم به وفق مصلحة الوطن والمواطن على حد سواء.

كما أشاد الخالد بالعمل التطوعي المبني على اقتناعات شخصية، ونزعات إنسانية، على سبيل الارتقاء بالشعوب وتنميتها ليقول: «إن ثروات المجتمعات تقاس بما لديها من عمل تطوعي».

وأشار الخالد إلى امتلاك الكويت ثروة طائلة من المتطوعين، يقدمون الكثير من الجهد، وقال: «إن الكويت زاخرة بأبنائها الذين يعملون على تحقيق التنمية والنجاح لمجتمعاتهم، والدليل على ذلك ما حققوه من نجاح في جائزة سمو الشيخ سالم العلي المعلوماتية».

وألقت رئيسة مجلس أمناء الجائزة الشيخة عايدة سالم العلي الصباح كلمة، أبدت فيها سعادتها بحضور ورعاية وزير الإعلام السابق الشيخ صباح الخالد لهذه التظاهرة الثقافية المهمة، مؤكدة على أن العمل التطوعي والجمعي ظاهرة إنسانية حضارية، ومدرسة اجتماعية متطورة، تظهر المواهب والكفاءات والإبداعات، وأن ذلك يعطي بعداً اجتماعياً واسعاً، بالإضافة إلى الأبعاد الوطنية والمعلوماتية، في سبيل السعي إلى التنمية المستدامة، للوطن والأمة عبر القنوات الثقافية والمعلوماتية.

ووجهت الشيخة عايدة سالم العلي عبارات التقدير والثناء للمتطوعين معاً، ومعاني الامتنان لمن لبى دعوتها وقالت: «نسأل المولى - سبحانه وتعالى - أن يديم على كويتنا الحبيبة كل معاني التكافل والمودة، في ظل صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر - أمير البلاد - حفظه الله ورعاه - وولي عهده الأمين، وأن يعيد إلى أرضها الطيبة سمو الوالد الشيخ سالم العلي الصباح رئيس الحرس الوطني».

وألقى كلمة المتطوعين مدير الجائزة الدكتور خليل عبدالله أبل، الذي أعطى فكرة مختصرة عن الجائزة وآليات العمل فيها وقال: «الجائزة مشروع تنموي كبير انتشر على المستويين المحلي والعربي، كي يبرز الوجه الحضاري والثقافي والتقني للكويت».

وأوضح أبل أن ما يشعر به المكرّمون من فخر واعتزاز بالجائزة، يدل على الدور الفاعل في دفع عجلة التنمية في الكويت، كاشفاً عن أن الجائزة قد أصبحت نموذجاً يُحتذى في العديد من المشروعات الإلكترونية.

وقام وزير الإعلام السابق الشيخ صباح الخالد، والشيخة عايدة سالم العلي، بتكريم الشيخ ناصر مبارك الفيصل الصباح، وعبدالمحسن الفارس، إلى جانب تكريم الإعلاميين، والمتطوعين الذين عملوا بجد واجتهاد في لجان الجائزة.

الكويت: مدحت علام


معرض تورينو واسترجاع الصفحة الأولى
من تاريخ الطباعة في مصر!


يقوم الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري حاليا بتقييم أداء المشاركة المصرية كضيف شرف معرض تورينو الدولي للكتاب 2009 الذي شهدته إيطاليا في شهر مايو الماضي للوقوف على السلبيات التي كان يمكن تلافيها لكي تخرج هذه المشاركة في أفضل صورها، ولا سيما بعد الخبرة التي اكتسبتها مصر من مشاركتها في احتفالية ضيف الشرف في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في عام 2004 عندما احتفى أكبر معارض الكتب في العالم بالكتاب العربي والثقافة العربية.

ومن بين هذه السلبيات التفاوت الشديد بين أمسية أدونيس التي نظمها الإيطاليون وأمسية أحمد عبدالمعطي حجازي التي جاءت في إطار المشاركة المصرية في توقيت- يؤكد حجازي نفسه- أنه لا يناسب جمهور هذا المعرض الإيطالي الذي ينشغل النهار بطوله في اختيار الكتب ولا يمكنه أن ينتظر حتى التاسعة مساء ليستمع إلى شاعر قد يكون من الأسماء المعروفة في بلده ولكنه لم يقدم بالصورة اللائقة به في تورينو، فالأمسية في شرفة وليست في قاعة مستقلة كما حدث مع أدونيس الذي حشدت له وسائل الإعلام وانتظره كبار الناشرين، في حين توزع ما تبقى من جمهور المعرض في المساء على نشاطين آخرين عقدا بالتوازي مع أمسية حجازي وهما: قراءات من أدب نجيب محفوظ، وحفل الموسيقى المصرية.

وقد كشف فاروق حسني في كلمته الافتتاحية - التي ألقاها نيابة عنه الناقد الدكتور جابر عصفور- كيف أن أول بعثة مصرية أرسلها محمد علي إلى أوربا توجهت إلى إيطاليا وليس فرنسا كما يتصور الكثيرون، وقد كانت مهمتها تعلم فنون الطباعة،وقد أكمل أعضاء هذه البعثة تعليمهم فاختار محمد علي أنبههم وأوكل إليه بناء المطبعة الأميرية في بولاق لتكون أول مركز حديث لطباعة الكتب في مصر والعالم العربي. لذا كان من اللائق في هذه المناسبة التاريخية، التي تحل فيها مصر ضيف الشرف على هذا المعرض، استرجاع الصفحة الأولى من تاريخ الكتاب المطبوع في مصر.وكان وزير الثقافة المصري قد استهل كلمته بالتأكيد على عمق العلاقات التاريخية بين الثقافتين: المصرية والإيطالية التي ترجع إلى عصر الإمبراطورية الرومانية واللغة اللاتينية التي كانت الواسطة التي انتقلت بها الثقافة العربية القديمة إلى أوربا بما أسهم في صنع النهضة الأوربية، وتمنى فاروق حسني أن تسهم هذه الدورة لمعرض تورينو في تحقيق قفزة جديدة في العلاقات الثقافية بين مصر وإيطاليا.

يذكر أن افتتاح معرض تورينو يوم 14 مايو الماضي قد شهده رئيس البرلمان الإيطالي جانفرا انكوفيني ورئيس المقاطعة مارشيدس برس ومحافظ مدينة تورينو كامبر رينو ورئيس هيئة الكتاب الإيطالية آل بيكيوني ومدير معرض تورينو آل فيريرو.

وأكد جانفرا ناكوفيني رئيس البرلمان في كلمة له على هامش فعاليات معرض تورينو أن دعوة مصر كضيف شرف هذا العام تعكس قوة ومتانة المشاركة الاستراتيجية والعلاقات التاريخية المتميزة بين مصر وإيطاليا، موضحا أن المعرض أصبح ملتقى وساحة يتحاور فيها أكثر من ألفي محاضر من جميع أنحاء العالم يلتقون وجهاً لوجه مع رواد المعرض. وقال إن المعرض يجب ألا يكون مكانا لممارسة الأنشطة السياسية ولا لإقرار شرعية بعض الثقافات والديانات الخاصة بدولة ما دون غيرها.

كما شهد الافتتاح من الجانب المصري، بالإضافة إلى الدكتور جابر عصفور رئيس الوفد: الدكتور ناصر الأنصارى،رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب ومحمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب والدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار والدكتور أحمد مجاهد رئيس مجلس إدارة هيئة قصور الثقافة، والناقد علي أبوشادي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، ونائبه الدكتور عماد أبوغازى، رئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان بالمجلس، والدكتور وحيد عبدالمجيد نائب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومحمد غنيم مستشار وزير الثقافة.

وقد اتسعت احتفالية ضيف الشرف في إيطاليا ولم تقتصر فقط على مدينة تورينو بل وصلت إلى العديد من المدن وفي مقدمتها العاصمة روما التي تضم أهم شاهد يجسد عمق العلاقات الثقافية بين البلدين وهو الأكاديمية المصرية للفنون المواجهة لمتحف الفن الحديث والمحاطة بأكاديميات: بلجيكا ورومانيا وإسبانيا، والتي تعد الأكاديمية العربية الوحيدة في هذه المنطقة التي تتوسط روما والتي يطلق عليها «حدائق بورجيزي»، حيث تتجمع فيها تماثيل شعراء العالم وفى مقدمتهم: أمير الشعراء أحمد شوقي وجوته والفردوسي.

هذه الأكاديمية التي شيدت في عشرينيات القرن الماضي وشهدت طوال هذه السنوات عشرات المعارض التشكيلية التي قدمت فنوننا العربية إلى الإيطاليين وكذا الحفلات الموسيقية والعروض السينيمائية والمحاضرات مما كان له الأثر البعيد في تمتين العلاقات الثقافية بين إيطاليا والعالم العربي. وعلى بعد أمتار قليلة من مقر الأكاديمية المصرية للفنون في روما التي تقع في 4 شارع هوميروس ترتفع مسلة رمسيس الثاني الشهيرة في وسط ميدان الشعب. ومن الجدير بالذكر في هذه المناسبة أن الفنان فاروق حسني نفسه كان أحد مديري هذه الأكاديمية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي بعد صالح عبدون وصلاح كامل.

ويوضح الدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار أن معرض تورينو للكتاب تزامن مع ثلاثة أحداث مصرية مهمة في إيطاليا هي: التوسعات الجديدة في المتحف المصري بتورينو والذي يعد ثاني أكبر متحف للآثار المصرية على مستوى العالم بعد المتحف المصري، ومعرض إخناتون إله الشمس فضلا عن معرض الآثار الغارقة الذي تم افتتاحه في شهر فبراير الماضي.

وقد ذكر الدكتور ناصر الأنصاري رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب؛ الشريك الرئيسي في هذا الحدث، أن علاقة مصر بإيطاليا تجسد طبيعة العلاقة الحيوية بين ضفتي المتوسط منذ كانت مصر جزءاً متميزاً من الإمبراطورية الرومانية القديمة. وقد تجلت هذه العلاقة من خلال تفاعل الجالية الإيطالية في مصر مع رموز التنوير المصرية ولاسيما في مدينة الإسكندرية ذات الطابع الكوزموبوليتانى، فشهدت مصر حركة ثقافية تفاعل فيها الإيطاليون مع التنويريين من المصريين في النصف الأول من القرن العشرين حتى أن العديد من مفردات اللغة الإيطالية قد دخلت بسلاسة إلى قاموس لغة الحياة اليومية السكندرية.

وقد حرص الأنصاري على الإشارة إلى مبدعينا العرب الذين تتلمذوا على مدارس الفن الإيطالي مثل: المخرج السينمائي شادي عبدالسلام، والمخرجين المسرحيين: سعد أردش، وكرم مطاوع، والفنانين التشكيليين: مجدي قناوي وطارق زبادي وفيليب رع وفاطمة الكردي.

وقد تنوعت الندوات المصاحبة لهذه الاحتفالية لتغطى العديد من القضايا والموضوعات وشارك فيها: الشاعر أحمد عبد المعطى حجازي، والدكتور مصطفى الرزاز، والفنان آدم حنين، والدكتور فيصل يونس، الدكتور خالد عزب، ومحسن شعلان، ويعقوب الشاروني والروائيون: خيري شلبي، إبراهيم أصلان، علاء الأسواني، رضوى عاشور، سلوى بكر، نوال السعداوي.

وقد صدر بهذه المناسبة مختارات من القصة المصرية بالإيطالية ضمت نصوصا لإبراهيم أصلان ومحمد سلماوي ومحمد المخزنجي ومحمد المنسي قنديل.

وقد نظم الجانب الإيطالي ندوتين إحداهما بعنوان «بلزونى ودوروفيتى وفيدوا.. مكتشفون ومغامرون إيطاليون يعيدون اكتشاف مصر القديمة»، والأخرى بعنوان «لحظتان رائعتان في تاريخ علم المصريات لمقاطعة بيمونتى».

وقد شارك في المعرض نحو1400 عارض من بينهم 53 ناشراً جديداً من سبع دول هي: المغرب، جنوب إفريقيا، الأرجنتين، الهند، الدنمارك، إسبانيا، ورومانيا.

تورينو: مصطفى عبدالله


منتدى
الإسلام والغرب من أجل مستقبل عادل وآمن


رصد المنتدى الحواري «الإسلام والغرب» الذي عقد في دمشق بالتعاون مع جامعة ألبرتا (أدمنتون- كندا)، وبمشاركة خمسين باحثاً في الفكر السياسي والإسلامي. القضايا السياسية والفكرية المطروحة حالياً على الساحتين العربية والدولية، وخاصة تلك التي تشير إلى العلاقة بين الإسلام والغرب، والتي طرحت الكثير من الإشكاليات، والتساؤلات حول ماهية هذه العلاقة، تاريخها، مستقبلها. فناقش المشاركون قضايا الحوار والتعارف ضمن محاور أساسية، وموضوعات فرعية أبرزها: «السلام»، مدلوله، أهميته، مكانته، أسسه، شروطه. الإسلام والغرب من الصراع والتصادم إلى الحوار والتفاهم. حقوق الإنسان في الرسالات السماوية مقارنة بالقوانين الوضعية. فضلاً عن الوسطية والاعتدال والغلو والتطرف بين الشرق والغرب. الشورى والديمقراطية بين الحضارة الإسلامية والمدنية الغربية. والتركيز على مكانة المرأة المسلمة في الغرب، وصورة الإسلام في الإعلام الغربي، وأخيراً، التأكيد على حق الدفاع عن النفس، والتفريق بين المقاومة التي هي من حق الشعوب التي تعرضت أراضيها للاحتلال، وبين الإرهاب كمصطلح ألصق زوراً وبهتاناً بالإسلام.

وأكد المشاركون على ضرورة تبني ثقافة الحوار التي تدعو إلى التخلص من مبدأ «الناس على دين ملوكهم»، وتتبنى مناهج مبتكرة في حالات التغير والتحول لاكتساب مهارات جديدة لا تتناقض مع حالة التكيف والتوافق بين الشعوب. لكن الأمر يبدو مختلفاً في الحوار مع العدو الإسرائيلي، لأن مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، تنبثق من معطيات مغايرة لأن الصهيونية تقوم على الإيمان بمفهوم «الأغيار»، وتمارس ثقافة الاستئصال للطرف الآخر. وهذا لا يعطي أي بصيص أمل في السلام، بل إن الهولوكوست الذي تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي كل يوم بدا من المصطلحات المحرمة دولياً. وفي محور صورة الإسلام في الإعلام الغربي، رأى المشاركون أن هناك جهلاً كبيراً، وفهماً خاطئاً للإسلام الحقيقي في الإعلام الغربي، وهذا الفهم الخاطئ هو نتيجة لسيطرة اللوبي الصهيوني على أجهزة الإعلام التي يسعى من خلالها لنشر الدعايات المضادة للإسلام، وتشويه صورة المسلم الحقيقي عن طريق وصفه بالأصولي تارة، والإرهابي تارة أخرى.

بعض المشاركين أصرَّ على إلقاء بحثه باللغة الإنجليزية، رغم جذوره الضاربة بالعروبة، وامتلاكه القدرة على التحدث بالعربية.. وبطلاقة. كما دعت إحدى المشاركات الحضور لفهم السياق التاريخي لنشوء دولة الاحتلال الإسرائيلي، أثناء الحديث عن الممارسات الإسرائيلية في فلسطين، والمنطقة العربية. وفي محور الاستشراق، ركز المشاركون على الأهداف النبيلة للمستشرقين متناسين أهدافهم السياسية والاستعمارية.

في ختام المنتدى خلص المشاركون إلى مجموعة من التوصيات - نأمل ألا تبقى حبيسة الأدراج - أكدوا فيها أنه لا سلام عالمياً وحقيقياً، ولا مستقبل آمناً في ظل هيمنة قوى ظالمة، واغتصاب سافر للحقوق والمقدسات والثروات، فيجب العمل على مزيد من التعارف والحوار بين الشرق والغرب، لأن عدم معرفة الآخر يؤدي إلى تنمية الأحقاد والعدوان وتصعيد العنف والعدوان، وضرورة التنبيه على آلة الإعلام المؤثرة عالمياً التي يتحكم بها اللوبي الصهيوني، والتي يُشوّه من خلالها معالم الدين الإسلامي، والدين المسيحي. والدعوة إلى تبليغ الإسلام بجوهره وسماحته وعدالته للغرب بطريقة يفهمها الشارع الغربي ويتفاعل معها، والتعريف بالواقع الحضاري والإنساني للدين الإسلامي، باعتباره دين تسامح وعدل، كَّرم المرأة وأنصفها، فضلاً عن مد يد العون للمضطهدين في العالم، والذين يعانون التمييز العنصري أو الديني، والعمل على أنسنة الخطاب الديني الإسلامي والمسيحي سعياً لإشاعة ثقافة المحبة والسلام التي جاءت بها المسيحية والإسلام. وأخيراً، تكثيف الجهود لفضح الممارسات الإسرائيلية الصهيونية اللاإنسانية في الاعتداءات المتكررة على الشعب الفلسطيني، وحماية القدس من سياسة التهويد.

دمشق:عزيزة السبيني


آثار
زيف كشف سر الملك هيرود


نشر توم مولر Tom Mueler في مجلة National Geographic عدد ديسمبر 2008م. مقالاً بعنوان King Herod Revealed بمعنى كشف سر الملك هيرود، في حلة قشيبة، مقروناً بالصور والتصورات، إن لم يكن التخيلات، والخرائط حتى يوحي بأنه ثمرة بحث علمي وظيفته تحري الحقائق، وكأنه يتحدث عن مسلمات راسخة، في حين أن معظمها كان تخيلات وتزييفا للعلم والواقع والتاريخ.

بدأ المقال بالإعلان رسمياً عن نجاح عالم الآثار (من دولة الاحتلال الإسرائيلي) ناتزر Ehud Natzer باكتشاف قبر هيرود في أبريل عام 2007م، في موقع يبعد ثمانية أميال جنوب القدس. واعتبر الكاتب أن ذلك الاكتشاف يعد إنجازاً علمياً غير مسبوق.

لم لا يعتبره ناتزر كذلك؟! وهو الذي أمضى نصف قرن مع عدة فرق أخرى وهم يبحثون عن حقيقة هيرود. وكان قد ترأس فريق التنقيب (من دولة الاحتلال الإسرائيلي) عن الآثار في الضفة الغربية بعد احتلالها في 1967م، وقام بالتنقيب في حفرية في برية التعامرة قضاء بيت لحم وكشف في عام 1972م عن قلعة جاثمة على تل يرتفع 300 قدم عن موقع آثار أخرى في أسفل التل. تشتمل هذه الآثار على مسرح وبركة ماء وغير ذلك، يعود تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد. فاعتبر ناتزر المكان أنه كان مقر هيرود، الذي ذكره وأفاض في شرح سيرته اليهودي جوزفس Josephus، الذي عاش في القرن الأول الميلادي والذي أشاد بمنجزات هيرود. مما دعا ناتزر إلى إطلاق إسم «الهيرودية» Herodium. على الموقع.

هذا الاكتشاف حث ذلك الفريق, وغيره من الفرق, الخطى للتفتيش عن قبر هيرود في أماكن عدة منها «الهيرودية» إياها، وفي القلعة التي تعلوها وفي منطقة أريحا، وكذلك في الأنفاق التي حفروها تحت المسجد الأقصى المبارك، وهم في غمرة بحثهم عن «هيكل سليمان» أو «الهيكل الثاني» جرياً وراء ادعاءات جوزفس أن هيرود هو من بنى الهيكل الثاني على أنقاض هيكل سليمان الدارس. وفتشوا عن القبر أيضا في قيصرية Caesarea بعيداً على ساحل البحر المتوسط، جرياً وراء الادّعاء بأن هيرود وسع منطقة سيطرته إلى الساحل وبنى الميناء وأسماه باسم القيصر الروماني؟ (هكذا).

وحينما أعاد فريق ناتزر التنقيب عن القبر في تلة صغيرة تقع على الجانب الأيمن من الطريق المنحدر من القلعة إلى أسفل التل اكتشف أنه قبر وذلك في أبريل سنة 2007م، فنسبه ناتزر إلى هيرود بعد أن أعياهم التفتيش عنه في جميع المواقع الأخرى. ولذلك نقول حق لناتزر أن ينتشي طرباً ويقول للكاتب مولر مفتخراً بما تحقق على يديه من سبق علمي عجز أقرانه عن تحقيق ما يماثله من مآثر!:

The tomb would strengthen Jewish claim to the area

أي أن من شأن القبر أن يعضد ادعاءات اليهود بالمنطقة. وهذا لا يحتاج إلى أي تعليق!

وفي هذا المقام لابد من الإشارة أيضاً إلى أن عدداً كبيراً من الفرق الآثارية الدولية واحتلالية إسرائيلية أمضت منذ عهد الانتداب البريطاني على فلسطين وحتى الآن، مواسم تنقيب طويلة وهي تنقب في عشرات المواقع الفلسطينية آملين إيجاد أي آثار يكون لها صلة بدولة يهودية قديمة، أو أنها تحمل طابع حضارة عبرية حتى تتفق مع رواياتهم وتبرر ادعاءاتهم بحقهم في عودتهم إلى «أرض الميعاد!»، غير أن جميع تلك الفرق فشلت فشلا ذريعا في التوصل إلى أي شيء مما كانوا يأملون في جميع المواقع التي نقبوا فيها. وأن كل ما وجدوه من آثار كانت آثاراً كنعانية ويبوسية وفينيقية ورومانية بيزنطية وعربية وصليبية وإسلامية (أيوبية ومملوكية وعثمانية).

ظهرت الصهيونية في القرن التاسع عشر، وادعت بأحقية اليهود بأرض فلسطين بموجب ذلك الوعد الرباني، ودعت إلى هجرة اليهود إلى فلسطين من كل أنحاء العالم بمؤازرة الدول الغربية العظمى وتحريض منها، وبقوة السلاح، وهي ليست من حقهم. وحينما فشلت محاولاتهم بإيجاد أي أثر يربطهم بماضي وبحضارة مزعومة؛ حاولوا أن ينسبوا إلى تاريخهم بعض آثار الآخرين من دون وازع، فزوروا التاريخ والماضي. ومن ذلك ما نحن بصدده الآن. فحينما تم لهم الكشف عن ثلاثة مواقع أثرية تعود للقرن الأول قبل الميلاد، ادعوا نسبتها إلى هيرود الذي عاش في ذلك القرن وهي الماسادا (Masada): وهي هضبة صغيرة (horst) تقع في غرب البحر الميت وذلك مقابل منطقة اللسان في شرقه. ولو أنه ليس بها أي معالم تفصيلية. والهيرودية (Herodium): وهي خرائب تقع قرب قرية تعمرية في قضاء بيت لحم. وقيصرية (Caesarea): وهي بقايا ميناء مغمور بمياه البحر المتوسط يقع على بعد تسعة أميال في جنوب حيفا. وهو من الآثار الرومانية التي تحمل بعض الطابع الفينيقي.

وكون هذه الآثار تعود للقرن الأول قبل الميلاد أي أنها تقع في وسط الفترة التي خضعت فيها بلاد الشام ومعظم حوض البحر المتوسط للسيطرة الرومانية وامتدادها البيزنطية حتى عرف البحر المتوسط وقتئذ ببحر الروم. وقد ترك الرومان في جميع المواقع التي خضعت لسيطرتهم آثاراً خالدة عصت على الزوال، ليس أقلها المدن المركزية التي تحوي القلاع والمعابد والمسارح (المدرجات) وبرك الماء والطرق وكذلك الموانئ.

المواقع الثلاثة التي نسبت إلى هيرود تحمل طابع الآثار الرومانية، ولا تحمل أي ملامح أخرى إلا ما يمكن نسبته إلى الحضارتين الكنعانية والفينيقية، حتى أن الميناء والمعبد مسميان باسم القيصر الروماني!

حينما عجز الآثاريون اليهود عن ايجاد أي أثر يمت بصلة لأي دولة يهودية قديمة أو سلطة لأي من قادتهم تالية، وجدوا ضالتهم بما كتبه جوزفس عن منجزات هيرود الذي جعله من عظماء التاريخ ومن بناة العالم القديم (كذا). لكن سيرة هيرود كما يسردها ناتزر بناء على كتابة جوزفس والظروف التي أحاطت به لا تنم عن أنه يستحق ذلك الإطراء المفرط، ولا تلك الأمجاد التي ألصقها به. ولا يعقل أن يكون مثله من «بناة العالم القديم». فقد عرف عن هيرود أنه أمر بذبح جميع المواليد الذكور في محاولة لقتل المسيح تفاديا لما قالته النبوءة (Matthew). وقد كتب مولر أنه كان لهيرود عائلة كبيرة غير متماسكة، فله عشر زوجات وأكثر من دزينة من الأبناء. وأن مشاحناتهم ومؤامراتهم جعلته قاسيا وعصبيا ومضطرب العقل. «فتحت تأثير وشوشة وشحن أخته سالوم، استشاطت غيرته فقتل زوجته مريم، مع أنه بقي يحبها بعمق، وعاش أشهراً بعدئذ في أحلك انهيار عصبي حيث كان ينادي عليها بالاسم لتعود إليه من الموت. فضلا عن أنه قتل حماته وكثيرا من رجاله. وفي سنواته الأخيره قتل ثلاثة من أبنائه بحجة التآمر لإزاحته عن الحكم. وكان قد غير وصيته ست مرات». وفي أيام مرضه الأخير «طلب من معاونيه أن تدخل المملكة في حداد عليه عندما يموت. وطلب من قادته أن يسجنوا ثلة من قادة مواطنيه اليهود في أريحا، ثم يقوموا بذبحهم عند إعلان نبأ وفاته». وقد وصف مولر معاناته الشديدة من قائمة من الأمراض التي سببت آلامه المبرحة وهزال جسمه . كما أن سيرة وخلفية هيرود الذي مات في سنة 4 ق.م. لا تؤهلانه أن يمثل ملكاً يهودياً، ولا يعتبر عهده حكما لدولة يهودية. علما بأن السلطة العليا كانت للقيصر الروماني. إذ كانت والدته عربية الأصل، وأبوه من الأدوميين، ولو أنه تربى كيهودي، وكان يفتقد الوضع الاجتماعي للعوائل القديمة القوية والمتنفذة في القدس. ولم يكن جديرا أن يخدم ككاهن أكبر مثل ملوك الحزمونيين. وكان ينظر إلى كثير من تصرفاته بما تجعله أجنبيا فهو «نصف يهودي» كما قال جوزفس.

لكن حينما هاجم البارثيون (Parthians) يهودا انقسم الحزمونيون أشياعا واختلط تحالفهم، فاغتنم هيرود الفرصة وهرب من القدس هو وعائلته تحت جنح الظلام، والتجأ إلى الرومان طلبا للمساعدة. بعدئذ هزم البارثيون وحلفاءهم في معركة حامية في المكان الذي أطلق عليه ناتزر الهيروديوم. ثم رحل إلى روما ليقدم الولاء والطاعة للقيصر الذي نصبه بدوره ملكا على «يهودا». وبعد أن قدم الأضاحي إلى آلهة روما في المعبد المقدس «جوف» بقي تابعا للقيصر الروماني، لآنتوني في البدء ثم لأكتافيوس بعدئذ. وبعدما عاد من روما استأنف القتال ثلاث سنوات قبل أن يستطيع دخول القدس في عام 33 ق.م.

عبرت القبائل العبرية إلى أرض كنعان في البدء من شمال فلسطين، ولذلك أطلق عليهم «العبريون»، وقد استطاعوا أن يشكلوا دولة في الجزء الجبلي من فلسطين قبل الميلاد بنحو ألف عام، عاشت سبعين عاما قبل أن تنقسم إلى قسمين هما «يهودا» و«السامرة». لم تعمر الدولتان طويلا حيث انهارتا نتيجة للنزاعات بين أشياعهم وبسبب عدائهم لمحيطهم من سكان وحكام البلاد الأصليين. ثم لم تقم لدولتهم قائمة بعدئذ. ولكن خلال الألف سنة التالية تمكن بعض قادتهم من القبض على السلطة في مواقع محدودة في الزمان وفي المكان، كعمليات تمرد على السلطة العليا وقتئذ أو بتشجيع منها أو استعداء بعضهم على بعض، كان آخرها عهد هيرود ( من 36 4 ق.م. )، إذا جاز اعتبار عهده عهدا يهوديا.

نستنتج مما سبق أن فترات سيطرة العبريين على أجزاء من فلسطين كانت عابرة في التاريخ، وكانت تتم في أجواء مشحونة بعدم الاستقرار. وبقي الشعب اليهودي أجنبياً عن سكان البلاد لطبيعته الانعزالية وعدم اندماجه بهم. وهذا يفسر تفرد اليهود من دون الأقليات الأخرى في كل البلدان التي وجدوا فيها باتصافهم بالتقوقع في الجيتوهات وبالتشنج وبمعاداة الآخرين. الأمر الذي كان يؤدي إلى ردات الفعل والانتقام وأحيانا إلى المذابح. ومن ذلك في فلسطين ما أدى إلى السبي البابلي نحو 500 ق.م. وإلى المذابح الإنتقامية على أيدي الرومان في فلسطين، مرة في نحو 70 ق.م.، ومرة أخرى في القرن الأول الميلادي، حيث خرجت بقاياهم من فلسطين نهائيا إلى أن تدفقت هجراتهم في القرن العشرين. فإذا كان هذا ديدنهم في فلسطين خلال الألف سنة السابقة لميلاد المسيح فكيف يمكن أن تواتيهم الفرصة بإنشاء حضارة من أي مستوى، وتركهم موروثا سوى ذكرى العنف والمؤامرات والاضطرابات والانتقام والمذابح، من مثل تلك التي قام بها هيرود نفسه. وما قتل اليهود للأنبياء إلا أمثلة صارخة على ذلك.

عمل اليهود منذ هجرتهم الحديثة إلى فلسطين على تغيير أسماء المواقع وإطلاق أسماء جديدة قديمة، مدعين أنهم بصدد إحياء جذور العبرية القديمة واستئناف تراثهم العبري. إلا أن التبصر والبحث والتدقيق في تلك الأسماء والتعابير القديمة يوصل إلى أن معظمها يرجع إلى أصول كنعانية ويبوسية وعربية، ولو أن بعضها تعرض للنحت والتحريف أحيانا، ليدعوا أنها عبرية.

الأردن: د. عبدالرحمن صادق الشريف


مسرح
صورة العرب والمسلمين في الأدب الألباني


يعتبر شمس الدين سامى فراشري من أكبر الشخصيات الثقافية والفكرية الألبانية الذي عاش في أواخر الخلافة العثمانية في البلقان. ولد في ألبانيا وكتب ونشر جميع مؤلفاته باللغة التركية-العثمانية والعربية والفرنسية في إسطنبول. بدأ نشاطه المبدع مبكرا وهو شاب في الحادي والعشرين من عمره بروايته الأدبية الأولى «حب طلعت وفطنت». وجعلته إنجازاته الموسوعية في أكثر من حقل معروفاً في التأريخ الثقافي واللغوي والأدبي ليس بين شعبه فقط، بل لدى الشعوب الأخرى في الغرب والشرق أيضاً. ومن آثاره الأدبية الجديرة بالذكر مسرحياته «عهد وفي» و«سيدي يحيى» و«غا وه». وهذه المسرحيات بعد ترجمتها حديثا من اللغة التركية - العثمانية إلى الألبانية أصبحت جزءا لا يتجزأ من الأدب الألباني. وقد أتمّ فراشري تأليف هذه المسرحيات في الحقبة الأخيرة ما بين العام 1874 إلى 1876م من حياته. واستمد المؤلّف الحادثة من تأريخ مأساة العرب والمسلمين في الأندلس أو بالأصح في إشبيلية.

تقع أحداث مسرحية «سيدى يحيى» في قلعة رازه التي كانت تجمع بداخلها نساء وأطفالاً وشيوخاً اجتمعوا فيها هربا من الإسبان. والتي أصبحت الآن سجناً للمئات وموضع قبور لكثير من أبناء المسلمين الذين ماتوا من الجوع والمعاناة الشديدة.

وقد وقف المؤلّف عند الفترة التي انتهى فيها عصر ملوك الطوائف في القرن الحادى عشر للميلاد، واختار سيدي يحيى بطلا لها. وكان قائدا لقلعة رازه، وهو رجل أمين وصادق وشجاع ومخلص لشعبه، بذل قصارى الجهد في سبيل إقناع كل من كان من حوله بداخل القلعة من نساء وأطفال وشيوخ، بعدم تسليم القلعة الى فرديناند، ملك الإسبان، إذ كان يعتبر هذا الأمر خيانة وطنية عظيمة.

وسرعان ما تحوّل الحوار بين رواد القلعة الى نزاع عنيف بين فريقين يرى أحدهما أن يتم تسليم القلعة، وفريق يتزعمه سيدي يحيى يرى ضرورة الدفاع عنها، وإمّا أن يفنوا جميعا بداخل القلعة.

لا يقبل سيدي يحيى بتسليم القلعة بل يشجّع جميع الحاضرين من حوله على عدم التردّد، بل ويستعدّون للدفاع عنها والدفاع عن كرامتهم. إنّه يفضّل الموت على الحياة بتهمة الخيانة له ولشعبه الى الأبد. وبعد أن يقرّر سيدي يحيى الدفاع عن القلعة التي كانت تمثّل شرف العرب والمسلمين، يترك ابنته الصغيرة حليمة أمانة عند خادمه عثمان ويكلّفه بعنايتها وتربيتها لعدم وجود الأسرة معها. أما زيد، وهو واحد من أفراد العائلات الفقيرة بداخل قلعة رازه، فيتسلم مبلغًا من النقود من قبل العدوّ لأجل إيجاد طريقة لتسليم القلعة إلى الإسبان. وهذه الخيانة والمؤامرة تحقّقت في ليلة كلّف فيها زيد بالحراسة، إذ إنّه قام بفتح أبواب القلعة ودخل العدوّ واستولى على القلعة فوجد الجنود نياما وأخذ قائدهم سيدي يحيى وسجنه.

يلتقى سيدي يحيى في سجنه ببدرو، وهو شخص يتم حبسه بسبب السرقة. وبدوره قام في السجن بمؤامرة على سيدي يحيى، إذ خدعه وأخذ عمامته وجبّته وختمه.

ذهب بدرو بلباس سيدي يحيى إلى الإسبان واتفق معهم على استيلائهم على جميع المناطق الأخرى التي ما زالت تحت لواء العرب المسلمين.

انهالت الاتهامات والمحاكمات من قبل العرب على قائدهم بالخيانة والمؤامرةعلى الشعب والوطن.

يعتبر خروج سيدي يحيى من السجن يوم إصدار فرديناند ملك الإسبان عفواً عاماً، حادثة مهمة في سير التركيب الفنّى للمسرحية. إنّه يوم لقائه الأوّل بإبنته حليمة وعثمان ويوسف بعد مضيه عقداً ونصف عقد من الزمن في السجن. كان هذاللقاء له شعور خاص وحميم ولكنّه لم يدم طويلا إذ ذهبوا جميعا إلى فرديناند - ملك الإسبان وصارحه سيدي يحيى بما قام بدرو باسمه من مؤامرات وفساد في البلاد. وكذلك أفاده بأنه هو بنفسه سيدي يحيى قائد قلعة رازه الحقيقي وليس ذلك الشخص الذي خدعهم جميعاً باسمه طوال فترة حكمه التي لم تكن قصيرة.

وفي هذه اللحظة أدرك فرديناند - ملك الإسبان وأعضاء الحكم وجماعة سيدي يحيى الذين كانوا معه حقيقة الأمر والميزة التي بات يتمتع بها مسئوله الكبير بأمن الدولة المسمّى الآن باسمه الحقيقى بدرو، فأمر الملك بعودته الى السجن.

وتنتهي المسرحية بطلب سيدي يحيى من ملك الإسبان ليسمح له بالخروج من الأندلس نهائيا هو وابنته حليمة وعثمان ويوسف. وبعد موافقته على ذلك خرجوا منها بعد أن تعرّضوا لضغوط وتعذيب نفسى وجسدي لا حصر لها. والمسرحية بما تحمله من معان عميقة ورموز تأريخية مهمة أصبحت جزءا من التراث الأدبي الألباني، إذ صارت رمزا للمحن التي يمرّ بها الناس الأبرياء ببلدان عديدة في فترات مختلفة، وأصبح معرفتها وتدريسها في التأريخ الثقافي والأدبي ضرورة، لمعرفة أبناء الشعوب الأخرى بمأساة العرب والمسلمين في الأندلس ونظرة الإسبان للمسلمين من منظورالقتل والطغيان والطرد. والطريف أنّ مسرحية سيدي يحيى بدأت أخيراً تدرس وتقرأ من قبل طلاب الجامعات والمثقفين الألبان ليتعرفوا بشكل مباشر على معاناة العرب المسلمين في الأندلس.

لقد استطاع المؤلف أن يظهر صورة العرب والمسلمين وضعف نفوسهم في الأندلس في القرن الحادى عشر. لقد ابتدأ مسيرته الفنية من الواقع المأساوى للأندلس العربية، وإنّه من غير شك من خلال الحوادث في المسرحية يكشف بشكل مستمر عن الظلم والعنف والحزن على المسلمين جميعاً. وتمثّل أحداث قلعة رازه في المسرحية قمّة تمزّق المسلمين العرب فيما بينهم، حكاّماً وشعباً وهذا كلّفهم نهاية حياتهم وحكمهم في الأندلس.

ورسخت مسرحية «سيدي يحيى» مفهوماً مهماً من مفاهيم مآسي التأريخ، وهو مفهوم الفاجعة الذي يعبّر عن حملة قيادية إسبانية منظمة لتصفية الأندلس من المسلمين العرب في فترة معيّنة من الفترات وذلك عن طريق العزلة والظلم والقتل لتحقيق منافع دينية وسياسية واستراتيجية وجغرافية. وللأسف الشديد أصبح المسلمون العرب في الأندلس ضحايا لهذا المفهوم التأريخى.

مقدونيا: د. إسماعيل سليمان أحمدي


تنويه
عن المفكر الكبير هشام جعيط


أرسل إلينا الدكتور أيوب أبو دية وهو كما عرَّف نفسه دكتور في الفلسفة، ونائب رئيس الاتحاد الفلسفي العربي في المملكة الأردنية الهاشمية مقالا نشر بالعنوان نفسه الذي اختاره «في ذكرى هشام جعيط (1935 - 2003)»، في عدد «العربي» رقم «607» الصادر مطلع يونيو 2009. وقد فاتنا تدقيق العنوان قبل جدولة المقال للنشر، حيث أوحى برحيل المفكر الكبير، أمد الله في عمره ومتعه بموفور الصحة، وأثرى الحقل الفلسفي والثقافي بنشاطه العميق. لذلك فإن مجلة العربي معنية بنشر هذا التصويب والاعتذار للمفكر الكبير والقراء.

مجموعة من المؤلفات مجلة العربي اغسطس 2009

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016