لم يعد من الممكن عزل المرأة عن أدوارها المتعددة في حياة أي وطن . يطرح العصر الحديث وهو عصر الصناعة والتقدم التقني السريع أدوار متعددة للمرأة . تتوالى تلك الصور مع توالي وسرعة التطورات العالمية هنا وهناك ، كما تتوالى الصور مع تلك المتتاليات الاجتماعية والسياسية التي تحدث ، أيضا ، هنا وهناك . فإذا كان التطور الاجتماعي والسياسي الحالي هو تطور الديمقراطية وحقوق الإنسان ، فالمرأة بأدوارها المتعددة تخضع لكل ما يجري في العصر وعناصره . سواء كان ذلك في إطار التطورات التقنية أو الاجتماعية السياسية .
ربما صعب إلقاء الضوء الحالي على أدوار المرأة المتعددة في القديم ، أو في عصر غير العصر ، وذلك لتغير الأوضاع والأزمان وبالتالي الأدوار . ولكن الآن وجب الوقوف بحزم أمام ما يجب أن يكون ، كما قلنا ، في إطار كل المتغيرات الحادثة حولنا وفي صفوفنا .
تخضع الأقطار العربية لما يخضع له العالم . ربما اختلف التوقيت. قد تأتي الأقطار العربية بعد الأقطار والأوطان الأوربية بزمن قليل . وقد تأتي الأوطان الإفريقية بوقت هو الآخر قليل . ولكن ستسير جميع الأوطان على المسيرة نفسها ، الواحدة بعد الأخرى ، المجموعة بعد الأخرى . لكل منها موقعها في التوقيت حسب درجة تطورها وحسب اقترابها من مركز الأحداث أو الحدث الأكبر .
وعندما نبدأ في مناقشة أدوار المرأة المتعددة في إطار مجمل هذه التطورات التقنية والسياسية الاجتماعية ، فإننا لا بد أن نؤكد أن هذه التطورات ستلحق بالبيت كمؤسسة أولى وكخلية أساسية ، ووحدة صغرى في المجتمع ، تضم الزوجة والزوج والأبناء ، سوف تتأثر هذه الوحدة بتلك التطورات ، أولا بشكل مباشر حيث إنها تخضع هي الأخرى كما تخضع الأوطان لتأثيرات المجريات العالمية ، ثم بشكل غير مباشر عندما يتأثر كل فرد فيها بهذه التطورات . وبالتالي يقع الاحتكاك في العلاقات الإنسانية داخلها وتخضع للتطور العام ، هي الأخرى .
سوف نسوق مثالا . قد يبدو ساذجا أو بسيطا ، ولكنه يشكل نموذجا توضيحيا ومؤشرا لما سيحدث . منذ خمسين عاما ، كان مجرد إنشاء مدرسة أو افتتاح مدرسة حدثا في حد ذاته ، لو عدنا لصحف ومجلات ذلك الزمان فسنشاهد الوزراء وربما الحكام يقومون بالتقدم لافتتاح هذه المدارس . وبالقطع لا يمكن عقد أي مقارنة بين حدث افتتاح مدرسة منذ خمسين عاما وبين عمليات بناء المدارس بكل مستوياتها الابتدائية والإعدادية والثانوية في عام 1992 . فاليوم قد تنشأ في كل قطر عربي أو غير عربي ، في كل عام ، مئات المدارس ولا تشير إليها الصحف أو المجلات . بات التعليم حقا مكتسبا لكل شعب ، وبذلك بات افتتاح المدارس ليس احتفالا ، بل مجرد تقديم خدمة إجبارية تقدمها الحكومة دون أي إعلان أو احتفال . بل أصبح واجبا على الدولة توفير ونشر هذه الخدمة ليس فقط على مستوى المدن ، ولكن أيضا على مستوى القرى .
في ذلك الزمان القديم ، كان المدارس تستوعب الذكور أولا . وبالنسبة للإناث كان الحدث يتصدر كل الأحداث . لأن بناء مدرسة للبنات كان بمثابة طفرة اجتماعية تسجل في كتب التاريخ وفي سجلات الأقطار والأوطان.
ولا شك أن إتاحة فرص التعليم أمام الإناث كانت بمثابة خلق دور جديد لهن ، فبعد أن كن ساكنات في بيوتهن ، بات لهن دور جديد في الحياة وهو تلقي التعليم في مجموعات منظمة حسب منهاج موضوع ، وسعيا إلى هدف محدد وهو التعلم والرقي والحصول على شهادات مساوية للشهادات التي يحصل عليها الذكور .
خلق ذلك ثنائية في دور المرأة . باتت ربة بيت وتلميذة أو زوجة ومتعلمة ، مما عكس تأثيرات على الدور الأساسي والطبيعي للإناث وهو ما يتعلق بهن كأمهات وربات بيوت .
ونتذكر أنه في ذلك الزمان البعيد ، كان تعليم الفتيات استثناء . أما الآن فقد أصبح الاستثناء هو عدم تعليم البنات ، مما جعل الثنائية أكثر عموما بل مشاعا للجميع . وتحول تعليم الفتيات إلى مفخرة للدولة ، تتقدم بالإحصائيات إلى المنظمات الدولية لتقول إن في مدارس القطر الفلاني نسبة كذا من الإناث ، أو إن الأمية في صفوف الإناث قد انخفضت بنسبة كذا .. إلخ .
ذلك دور جديد لم يكن للمرأة منذ خمسين عاما في أقطارنا . وأصبح الآن دورا أساسيا أدى إلى خلق أدوار أخرى ، مثل دورها في العمل وكذلك دورها في الحياة العامة .
حدث ذلك خلال خمسين عاما شهدت تطورات تقنية وسياسية واجتماعية هائلة . ولكن بوتائر ليست في سرعة تلك الوتائر المتوقعة خلال الفترة القادمة ، والمتوقع أن تحدث بسرعة تحرك الأقمار الصناعية أو نقل الرسائل بالفاكس أو انتشار أجهزة الكمبيوتر الشخصية .
فهل استعدت مجتمعاتنا لتلك التطورات التي ستلحق بأدوار المرأة العربية والتي سيتأثر بها البيت العربي شئنا أو أبينا ؟
هل ننتظر وصول رياح التغيير أم نستعد لها من الآن ؟.