الفكاهة لغة عالمية
قد نرى بأعيينا حادثة ما، ثم نقرأ عنها في أكثر من صحيفة، فنجد أن كل صحيفة روت تلك الحادثة رواية تختلف عن الأخرى اختلافات جذرية كبيرة. وكذلك كتب التاريخ، فعندما نقرأ عن واقعة ما في غير كتاب التاريخ نرى وصفاً يتباين من كتاب لآخر، لذلك إذا أردنا الاطلاع على حالة شعب من الشعوب في وقت من الأوقات، فإن أفضل وسيلة هي دراسة القصص والفكاهات الشائعة لديه في ذلك الوقت.
ففي تاريخنا العربي مثلاً نجد أن القصص والفكاهات التي كانت شائعة في العصر الأموي تختلف عمّا شاع في العصر العباسي ثم في العصور التالية. والطريف أن الفكاهات متشابهة لدى كثير من الشعوب. ولا عجب في ذلك لأن حياة الشعوب متشابهة وطبيعة البشر واحدة. وثمة فكاهات رواها لي راميش مكارجي وقال إنها حصلت في مومباي، ثم سمعتها من خسرو أصفند ياري على أنها حدثت في أصفهان. وحدّث ولا حرج عن ماريو مانسيني الذي قال إنه سمعها في نابولي، وعن البرتوريوس الذي أقسم أن الفكاهة مولودة في ليما. (وليما لمن لا يعلم هي عاصمة بيرو).
وكثيرة في الفكاهات التي تصف حالة الناس وصفاً دقيقاً صحيحاً، وكثيرة هي الفكاهات التي يفرج بها الناس عن همومهم.
وثمة فكاهة سمعتها من أشخاص عدة من بلاد مختلفة، وفيها درس أي درس، وعبرة أي عبرة. وأكاد أتذكرها كلما وقفت بالسيارة أمام إشارة مرور أيَا كان لونها. وأروي الفكاهة بصورتها الإيطالية. فقد كان أحد السياح يركب سيارة أجرة في أحد شوارع روما، وكان سائقها يقودها بطيش وتهوّر مخالفاً قواعد المرور. فكان إذا مرّ أمام تقاطع طرق وكانت الإشارة حمراء، تجاهل تلك الإشارة وتابع سيره. فقال له السائح:
- لماذا تتجاهل الوقوف أمام الإشارات الحمراء. فرد عليه السائق: إنني وإخوتي وأبناء عمي كلنا نعمل سائقي سيارات أجرة، وقد جرت عادتنا على أن نتجاهل الوقوف عندما تكون الإشارة حمراء.
بعد ذلك، وصلت السيارة إلى تقاطع طرق وكانت الإشارة خضراء، فوقف السائق. فقال له السائح: لماذا وقفت؟ ألا ترى أن الإشارة خضراء وحق الطريق لك؟ فردّ عليه السائق: أعلم ذلك ولكنني أخشى أن يكون أحد من إخوتي أو أبناء عمي قادماً من الشارع الآخر. . . وأترك للقارئ أن يستخلص العبرة من هذه الفكاهة.
أما الفكاهة العالمية الثانية التي اخترت أن أرويها هنا فهى عن الصحافة، ويختلف اسم الصحيفة فيها من بلد لآخر، لكنني سأذكر الرواية الأمريكية وهي عن صحيفة نيويورك تايمس، وهي من الصحف القليلة التي توزع في الولايات المتحدة كلها وفي بقية أنحاء العالم. فقد كان أحد الأشخاص يتنزّه في قارب في البحر وكان يقرأ صحيفة نيويورك تايمس، فهجم عليه سمك القرش - ومعروف أن سمك القرش يأكل كل شيء - فخاف الرجل وغطى وجهه بصحيفة نيويورك تايمس. فكان أن ابتعدت أسماك القرش عنه ونجا من الموت. وقال أحد أسماك القرش لزميله: إنني أستطيع أن أهضم كل شيء لكنني لا أستطيع أن أهضم ما تكتبه صحيفة نيويورك تايمس.
ويستطيع القارئ أن يغيّر اسم الصحيفة كما يحب.
إن الفكاهة لغة عالمية لأنها تعطي صورة صادقة عن حياة الناس والشعوب، ولأنها تعبّر عن همومهم ومشاكلهم، وتحاول أن تسري بعض الشيء عنهم، جالبة ابتسامة صافية أو فسحة أمل.