ربما لا يستطيع الطفل أن يعبر بلغة الكلام ولكنه يعبر بجسده عن كل الانفعالات التي يحس بها ، وإذا فهمنا هذه اللغة أمكننا أن نعرف الكثير عن تصرفات وسلوك الأطفال. إن لغة الجسد أكثر فاعلية من لغة الكلام ، ويقول علماء النفس إنه في أي حديث بين اثنين يتم نقل نصف المعنى تقريبا من خلال اللغة غير المحكية . ويستخدم الطفل الكلمات عادة لنقل معلومة عن نفسه مثل " أنا جائع " ، بينما يستخدم لغة الجسد للتعبير عن المشاعر : " لا أريد اللعب معه " .
إن فهم لغة الطفل الجسدية يقوي العلاقة بينه وبين ذويه ، لأن التواصل الجيد يقود إلى مزيد من التقارب ويزيد أواصر العلاقة التبادلية بين الطفل ومن حوله متانة . حتى في المراحل الأولى عندما يكون الطفل غير قادر على الكلام تؤدي لغة الجسد دورا مهما بالنسبة للأمهات اللاتي لربما يعانين من الإحباط في البداية لعدم قدرتهن على فهم الطفل وطرق التعامل معه وبالتالي لا يستطعن العناية به وفهم متطلباته وهذا ينعكس سلبا على كل من الأطفال والأمهات . وعلى الرغم من أن أحدا لا يعرف حقيقة السبب في ذلك فإن البعض يذهب إلى أن هذا الإحباط هو السبب في أضعاف قدرة الأم على فهم وتحليل لغة طفلها الجسدية أما البعض الآخر فيعزو الإحباط إلى عدم قدرة الأم على تحليل وفهم هذه اللغة ونقص المهارة والخبرة في هذا المجال .
مهما كانت الأسباب فإنه يظل هناك شيء أساسي ومهم وهو أن للتواصل دورا مهما وحيويا في إقامة علاقة جيدة بين الطفل وذويه .
تفاهم غير لفظي
يتواصل الطفل مع الأهل بطرق مختلفة ، وتكثر الأوقات التي يتواصف فيها دون اللجوء إلى الكلام أو الفظ ، فعندما يبكي المولود نفهم مباشرة أنه يحاول لفت الانتباه لدفع الكبار لإعطائه ما يريد . كما أن بكاء الطفل أو صراخه يكونان ذا دلالة أخرى بالنسبة لنا ، والإيماءات وتقطيب الحاجين كلها تعبيرات عن رفض الطفل لما يطلب إليه .. وهناك إشارات أخرى بصرية تنقل معني أيضا وتتضمن دلالات معينة فعندما لا يريد الطفل تناول الطعام على سبيل المثال فإنه يلقي بالطبق على الأرض ، أو إذا شعر بالذنب لسكبه العصير أو الطعام على الفراش ولم يكن بمقدوره الاعتذار ولفظ كلمة " آسف " فإنه يحاول الاقتراب والالتصاق بنا تاركا رأسه للأسفل متحاشيا النظر إلينا . وبهذه الطريقة ودون استخدام الكلام ينقل الطفل رسالته وطلبه معبرا عن نفسه بلغة درج على تسميتها " لغة الجسد " وتعرف أيضا بالتواصل والتفاهم غير اللفظي وهذه هي الطريقة التي يعبر بها أطفالنا عن أفكارهم وأحاسيسهم واحتياجاتهم دون استخدام اللغة المحكية ، ولكي نفهم ما يقوله أطفالنا ، يجب علينا أن نعرف لغة أجسادهم هذه ونفهمها .
استمع لطفلك
إن فهم الطفل لا يحتاج إلى مهارات خاصة ، وكل ما علينا أن نفعله هو أن ننمي دقة الملاحظة لدينا ونعرف عن أي شيء نبحث . وللتدرب على ذلك حاول أن نشاهد أوبرا تلفزيونية دون صوت ، وراقب شخصيات البرنامج وحاول أن تفهم مزاجهم وشعورهم وحديثهم ونوعية العلاقات القائمة بينهم ، وبما أنك لا تستطيع سماع أصواتهم فإنك ستبني أحكامك على إشارات غير لفظية مثل تعابير الوجه ، حركة العيون ، المسافة الفاصلة بين كل شخصية ودرجة التوتر والهدوء لديهم .
اكتب ملاحظاتك حول ما يحاول أن يقوله كل شخص من خلال لغة الجسد والإشارات والإيماءات المستخدمة لتوصيل ذلك . كرر العملية حتى تحصل على قائمة من الرسائل الجسدية التي تعقد إنها استخدمت في البرنامج .
قد تكون هذه الطريقة غريبة بعض الشيء إلا أنها تساعدك على تطوير قدرتك على تحليل اللغة في اللفظية لأنها تجعلك تركز على مظاهر السلوك المختلفة دون الاعتماد على اللغة المحكية، وفيما يلي أهم هذه المظاهر ومدلولاتها:
الحركة والإيماء والاقتراب
يعتمد الطفل على الحركة للتعبير عن كثير من الانفعالات. فهـو يعبر عن الغضب بكل بساطة بالخروج من الغرفة أو رمي لعبه. وقد يستلقي على ظهره يرفض النهوض أيضا. أما للتعبير عن الرضا والارتياح فهو يتهرب منا مبديا المزيد من التودد والحب، وقد يرمي لعبه أيضا ويوجه جل اهتمامه نحونا.
إن ضم السيد وشدها بتوتر وضعهـا بجانب الرأس أو الوجه هي دلالة على الشعور بالقلق وعدم الارتياح أو التهيج والإثارة. أما اليد المفتوحة والمسترخية فهي تعبير عن الشعور بالهدوء والارتياح. كما أن تحريك اليد بشكل بطيء وهادئ يدل على الميل إلى المداعبة وإظهار المودة ، بينما يشير تحريك اليد بقوة إلى الغضب والشعور بالإحباط.
وإذا كان الطفل يتنفس ببطء وعمق فهذا يعني أنه مسترخ أو أنه سيخلد للنوم. من جهة ثانية يدل التنفس السريع وغير العميق على أنه منزعج ولديه مشكلة ما.
وعندما يتبادل الطفل الحديث مع والده أو والدته يتم ذلك غالبا على مسافة 40 - 50 سم تزداد أو تنقص حسب عمر الطفل، أما إذا اتسعت المسافة إلى أكثر من ذلك فهذا يعنى أن مزاجه ليس على ما يرام، أو أن شيئا قد عكر صفو مشاعره وقد يحصل ويندفع إلى إحدى زوايا الغرفة ويأخذ بالبكاء والصراخ وإظهار ردات فعل توترية .
بالمقابل يمكن أيضا أن يكون قصر المسافة والاقتراب أكثر تعبيرا عن الغضب والاستياء خاصة إذا اندفع الطفل مباشرة باتجاه ذويه وهو في مزاج سيئ.
تعابير الوجه
إضافة إلى جملة الأحاسيس والمشاعر الأخاذة التي يثيرها فينا الطفل عندما يبتسم، فإن ابتسامته في الواقع هي علاقة من علامات الرضا والارتياح ، وعندما يضم الطفل شفتيه ويقلصهما فذلك يدل على أنه غاضب ومتوتر، أما حين "يبرز" ويثني شفتيه فهذا يعني أنه متأثر وحزين وعلى وشك أن ينفجر بالبكاء في أي لحظة. من ناحية أخرى يشير رفع الحاجبين للأعلى إلى الفضول أما تقطيبهما والعبوس فيدل على عدم الرضا .
أما إذا وقف الطفل وكتفاه مشدودتان للوراء ورأسه مرفوع فذلك يدل على الشعور بالسعادة والثقة، ومن جهة ثانية إذا وقف وأرخى كتفيه وحنى رأسه إلى الأمام وباتجاه الأرض فذلك يعني الشعور السلبي والخجل والذات الحزينة وعدم الشعور بالسعادة.
تضارب اللغتين
غالبا ما تتطابق لغة جسد الطفل مع لغة الكلام ، لكن تتعارض أحيانا هاتان اللغتان . وعندما يحصل ذلك فإن لغة الجسد تكون أكثر واقعية ومصداقية ، وتعبر عما يعنيه بالضبط أكثر من لغة الكلام ، إذ لنتخيل إننا في مقابلة للحصول على عمل فمهما حاول أحدنا في هذا الظرف إخفاء قلقه وأن يبدو طبيعيا وغير متوتر بالتحدث بهدوء وإجابة الأسئلة بطلاقة.. فإن لغة الجسد تكشفه ربما من خلال التوتر الذي يظهر على ملامحنا وحركاتنا مثل تشابك الأيدي والتردد والانفعال الذي نبديه عندما لا نكون واثقين كل إجاباتنا . فعدم التوافق بين لغة الجسد ولغة الكلام غالبا ما يكون سائدا لدى معظم الناس وهذا ينطبق على الأطفال ، فالطفل قد يظهر أنه مسرور جدا لأننا منعناه من اللعب لكنه بالواقع سرعان ما يبدو عليه الغضب والانزعاج ، وقد يظهر الهدوء أيضا وضبط النفس عندما يدفعه أحد زملائه في الملعب إلا أنه ما يلبث أن يتفجر بالبكاء بعد ثوان قليلة .
أحداث كهذه تحصل باستمرار وتبقى لغة الجسد هي الوحيدة الكفيلة بكشف مشاعر وانفعالات الطفل الحقيقية.
سر مفضوح
لاحظنا أن سلوك الطفل هو عبارة عن حركات وردود أفعال وتصرفات نابعة من عالمه الخاص ومرتبطة إلى حد ما بمدى وعيه وإدراكه . ولا شك أن معرفة هذه الحركات والتصرفات تقود إلى تطوير قدرتنا على تحليل وإدراك لغة الأطفال الجسدية بشكل جيد .
فيما يلي مزيد من هذه الحركات والمواقف التي تعبر من نماذج الاتصال الجسدي الأكثر تعقيدا :
حين يكذب الطفل يحاول بطريقة غير مباشرة أن يغطى فمه أو عينيه ، أو أذنيه بيديه .
فعندما يغطي الطفل نصف فمه بينما يتحدث إلينا أو يفرك زاوية أذنه أو عينيه بغضب أو يحك عنقه .
فمن المؤكد أنه يكذب .
أما عندما نحاول إقناع الطفل بعمل شيء ما ، فيجب أن نركز انتباهنا إلى وضع ساعديه ورجليه فهذا يدلنا على إذا ما كان يرغب بالتعاون وتنفيذ الطلب . فالسواعد المتصالبة المتقابلة مع أرجل متصالبة أيضا تدل على أن الطفل أخذ وضعا دفاعيا ولا يريد التعاون .. ولكن إذا لاحظنا بعد حين أن ساعديه قد اعتدلا ورجليه استقامتا فهذا يدل على أن الطفل يريد التعاون وأنه تفهم الأمر ومستعد لتنفيذ رغباتنا .
واليد أيضا .. لها لغة
تظهر وضعية اليد الكثير من مشاعر وأحاسيس الطفل الداخلية ، ففرك اليدين معا إلى الأمام والخلف دلالة على أن الطفل راض ومستعد للقيام بأي عمل . وتشير اليدان المضمومتان إلى أنه قلق ومتحفز خصوص أمر ما . وإذا وضع يده في الجيب الخلفي فهذا يدل على شعوره بالعدوانية واستعداده للقتال .. أما إذا كانت إحدى اليدين تمسك بالذراع العلوية لليد الأخرى بشدة ، فالطفل بالتأكيد يريد القول : " أنا غاضب منك " .
إن بعض مظاهر السلوك هذه قد يبدو من وجهة نظرنا - نحن الكبار - شيئا بسيطا للغاية .. بل قد نضحك أحيانا من مجرد فكرة القيام بمثل هذا السلوك أو هذه التصرفات . ولكن بالنسبة للأطفال فهي وسيلة لجذب انتباه الكبار لما يريدونه . وهي تتضمن معاني عديدة مثل " انظر " أو " ما هذا ؟ " أو " أعطني " . . كما أنها في الواقع تعبير صادق لما يشعر ويحس به الطفل ومن شأنها تعزيز فكرة التبادلية في التأثير بين الطفل ومن حوله .