ظاهرة تقلصت كثيراً في الحواضر العربية، ولكنها لا تزال موجودة في الريف والبادية العربيتين، وتقتضي إعادة النظر.
مما لا شك فيه أن تحديد السن الملائمة للزواج أمر يتعلق بالظروف الاجتماعية والثقافية إضافة للفيم السائدة.
ومن الصعب اتباع توجيه واحد في كل الظروف والأحوال.. ونجد مثلاً في المدينة الحديثة حيث ينتشر التعليم أن سن الزواج تتأخر بشكل عام بسبب إتمام الدراسة والتفرغ لأعبائها حيث أصبح شائعاً إتمام المرحلة الثانوية للفتيات وكثير منهن يؤجلن الزواج إلى ما بعد المرحلة الثانوية، ونجد أيضاً في بعض الظروف الأخرى أن الفتاة تتابع دراستها الجامعية أو العليا ولا تتزوج إلا أثناءها أو بعد التخرج، بينما ينتشر الزواج المبكر في البيئات الريفية والصحراوية بشكل أوضح منه في المدينة.
عن الفتيات
تلعب الصفات الشخصية للفتاة دوراً في تحديد سن الزواج كأن تكون فائقة الجمال مما يؤدي إلى كثرة خاطبيها ومن ثم زواجها المبكر. ويشارك الأهل هنا في سرعة تزويجها خوفاً عليها من الفساد أو الانحراف ضمن ظروف اجتماعية ينتشر فيها الفساد وضعف الخلق، وهكذا تشارك العوامل الاجتماعية والثقافية والشخصية في التبكير بالزواج.
والحقيقة أن التغييرات السريعة التي تمر بها البيئة العربية والمجتمعات الأخرى قد أحدثت مشكلات جديدة ومتنوعة لم تكن معروفة سابقاً تتعلق بالتعليم والعمل وشكل الأسرة والمتطلبات المادية الاستهلاكية العديدة إضافة إلى تنوع أدوار المرأة والرجل وتغيرها.
والنظرة الواقعية إلى موضوع السن المناسبة لزواج الفتاة توحي بأنه لايوجد حل مثالي وسن واحدة تلائم جميع الفتيات في مختلف الظروف.
ومن الناحية العضوية والنفسية أن يتزوجن ولو كن في سن المراهقة وأن يقمن بدورهن كزوجة وأم إذا توافرت الإمكانات اللازمة لذلك. وعند البعض الآخر يتعذر الحمل والإنجاب بسبب عدم انتظار الدورة الشهرية أو وجود الدورة غير الإباضية ويتحسن ذلك عادة خلال عدة سنوات أو من خلال العلاج المناسب.
ونجد بعضاً ممن تزوجن وهن صغيرات قد تعرضن لمشكلات زوجية ونفسية وعضوية.. وربما يزداد الطلاق في تلك الحالات حيث تعتبر الفتاة فيما بعد أنها تزوجت وهي صغيرة وغير واعية وأنها غير متناسبة مع زوجها، كما تكثر حالات الطلاق في السن المبكرة بسبب تردد الفتاة وتغيراتها العاطفية والفكرية المفاجئة فهي توافق أولاً ثم تغير رأيها مما يتسبب في مشكلات اجتماعية وعائلية ونفسية، وكثيراً ما يعزى هذا التردد والتغير إلى الحسد أو العين وغير ذلك.
كما نجد عدداً من حالات الاكتئاب والقلق والإحباط وضعف الثقة بالنفس عند من تزوجن في سن مبكرة لأن الفتاة تجد نفسها أمام مسئوليات الزواج المتعددة وهي لاتزال غير قادرة على تحملها وتجد أنه ينقصها كثير من المهارات والقدرات والمعلومات إضافة إلى النضج العام فهى لاتزال متقلبة العواطف والآراء ولاتزال حاجاتها العميقة العاطفية والتربوية دون إشباع، وربما تكون قدراتها على العطاء العاطفي لزوجها وأطفالها أقل من قدرات الفتاة الناضجة الأكبر سناً وهذا يولد المشكلات لها ولزوجها ولأطفالها فيما بعد.
لامقاييس صارمة
لابد للإنسان أن يكون على درجة كافية من الإشباع والتوازن قبل أن يستطيع أن يعطي، رجلاً كان أم امرأة، وفي الزواج لابد من الأخذ والعطاء، أما أن تبقى الفتاة طفلة كبيرة تأخذ فقط فهذا لا يتناسب مع دورها الناضج في الأمومة وفي تحقيق دورها كزوجة صالحة، والفتاة الصغيرة لاتزال بحاجة إلى التربية والخبرة والتوجيه في شئون الحياة جميعها في مجتمع تطورت فيه الحياة وازدادت المعارف والعلوم والتقنيات إضافة للمسئوليات وربما يكون الزواج المبكر مريحاً في الحال وجود المنزل الكبير والأسرة الممتدة حيث تلقى الفتاة المتزوجة الرعاية والتوجيه ممن هم أكبر من سنها، كما أن مسئولياتها تكون أقل لوجود من يساعدها ويعلمها ويأخذ بيدها مثل الأم أو الجدة أو العمة أو الأخت الكبرى.
ويتعذر الاستقلال في منزل منفرد في حالة الزوجة الصغيرة لأنها غير قادرة على تدبير أمورها العديدة بنفسها فهي تخاف إن كانت حدها ولاتحسن التصرف في مواجهة الأمور إلا إذا نشأت وتدربت على ذلك.
ويمكن أن يكون الزواج المبكر حلاً مقبولاً لمنع فضيحة أو عار بما يتعلق بموضوع الشرف أو العرص. وفي أحيان أخرى يعكس الزواج المبكر مصالح الأسرة العامة والأهل من حيث المحافظة على النسب أة الجاه في تزويج الفتاة من قريب لها أو من أسرة ذات جاه.
عوامل متشابكة
وتلعب العوامل النفسية دورها أيضاً في التكبير بالزواج كأن يكون الزواج هروباً من مشكلات منزلية أو عائلية مستعصية على الحل، أو يكون نتيجة لقلق الأم المبالغ فيه على مستقبل ابنتها حيث نجدها تسرع بدفعها نحو الزواج تحسباً لمخاطر المستقبل والعنوسة، وغير ذلك من الأسباب نجدهى في حالات أخرى.
وهكذا نجد أن الحياة تتنوع كثيراً وأن مايصلح للبغض قد يكون ضاراً للبعض الآخر ولا بد من مراعاة العوامل المتشابكة في تحديد ماهو الأفضل بالنسبة لمشكلات زواج الشابات والشباب وتقديم العون لهم بما يساعدهم على المضي في الحياة وأداء أدوارهم بشكل ناجح مفيد على المستوى الشخصي والاجتماعي.