تعتبر الزلازل أهم وأكبر الكوارث الطبيعية اتساعا في آثارها التدميرية على البيئة والإنسان وقد تدق أبواب العالم في أية لحظة وأي مكان حاملة معها الدمار والخوف والضحايا دون مجال للتحذير المسبق بشأنها. وليس زلزال اليابان الأخير ببعيد. ولسنا في المنطقة العربية خارج نطاق الاحتمالات. فإذا أعددنا لذلك؟
تؤكد حقب التاريخ أنه لم يسلم بلد واحد من وقوع زلزال فيه وبدرجات مختلفة، وإذا وقع الزلزال في مكان ما فإنه يكون بمثابة جرس إنذار للمنطقة التي وقع فيها وللبلدان المجاورة لها أيضا ويتصف الوطن العربي ببيئات تكتونية متنوعة، فالصفيحة العربية تشمل دول الجزيرة العربية والأردن وسوريا والعراق، وفي شمال العراق نجد اصطداما قاريا بسيطا ما بين هذه الصفيحة والصفيحة الإيرانية قرب طية جبال زاغروس. وهناك تصادم أكثر تعقيدا في الشمال الغربي من إفريقيا على طول فالق وطيات جبال الأطلس في المغرب والجزائر وتونس.
أما النوع الثالث من التصادم الطرفي بين الصفائح الرئيسية فهو محدد في بنيوية نظام فالق البحر الميت والمتشكل نتيجة انفصال الصفيحة العربية العربية عن الصفيحة الإفريقية ولهذا يسمى بالفالق العربي - الإفريقي، والذي يزيد طوله على ألف كيلومتر ويمتد من مدخل خليج العقبة جنوبا باتجاه حفرة الانهدام الأردني شمالا مكملا مسيرته داخل لبنان قاطعا سوريا من جنوبها متجها نحو الشمال الغربي جنوب تركيا، ونشير إلى أن النشاط التكتوني الذي يحدث ضمن الصفائح المذكورة في أجزاء عديدة من المنطقة العربية يشمل غرب الجزيرة العربية ومصر والسودان وليبيا والجزائر.
إن تتبع نشاطات الفوالق الزلزالية والإطلاع على الزلازل الرئيسية التي ضربت مواقع مختلفة من أنحاء الوطن العربي منذ القرن الثامن عشر الميلادي وحتى اليوم يؤكد أن المنطقة العربية نشطة زلزاليا. ويجب أن نأخذ بالحسبان أنه لم يعد أحد يثق بمقولة أن الأرض ليست آمنة زلزاليا في موقع ما، ولعل أكبر الدلائل على ذلك زلزال القاهرة الأخير (12 أكتوبر 1992) الذي أودي بحياة (540) شخصا وجرح ما لا يقل عن (6500) شخص وشرد حوالي عشرين ألف شخص مع أن الدراسات الزلزالية تؤكد أن مصر لا تقع ضمن أي من أحزمة الزلازل في العالم، وأقرب حزام للزلازل منها هو محور الأخطار الزلزالية القصوى الذي يمر بجزيرة قبرص وشمال البحر الأبيض المتوسط، ويقول آخر فإن مصر تبعد حوالي (700) كم إلى الجنوب من محور الزلازل.
أرقام واحتمالات مقلقة
الجدير بالذكر أن الفالق العربي الإفريقي يتميز بحركة انزلاق تصادمية تقدر ما بين (5 ، 0 - 6 ، 0 سم) في السنة في جزئه الذي يشمل سوريا وما بين 75 ، 0 - 5 ، 1 سم في السنة في منطقة البحر الميت وخليج العقبة.
وبالعودة إلى المنحنيات المنشورة عالميا والتي تربط ما بين درجة الزلزال والانزياح النسبي السنوي للفوالق النشطة عالميا وفترة تكرارها نجد احتمال حدوث زلزال على الفالق المذكور في سوريا وبدرجة 7 ريختر (أي ما يعادل قوة انفجار قنبلة ذرية كبيرة بطاقة تفجير عدة مئات من أطنان تي إن تي) في كل 200 سنة. علما بأن آخر زلزال ضرب جزءا من منطقة الفالق العربي الإفريقي حصل خلال عام 1837 م وسبب دمارا كبيرا في مدن بيروت وصيدا وطبريا وأضرارا معادلة للأضرار الناتجة عن زلزال بدرجة (7) ريختر. وهذا يعني أن زلزالا مشابها بدرجة 7 ريختر محتمل الحدوث في أي من سوريا ولبنان والأردن يقع ما بين الـ (40 - 50) سنة القادمة، أي إن الحد الأقصى المحتمل له هو حتى عام 2040 م.
ولعل أهم الإجراءات العاجلة يجب أن تتخذ هو المبادرة إلى وضع استراتيجية عربية لتخفيف المخاطر الزلزالية يمكن أن يتفرع عنها برامج وطنية ومحلية.
برامج دولية ... ودور عربي مطلوب
على المستوى العالمي فإن الدول المعرض للزلازل تعتمد برامج مماثلة يتم تنسيقها من قبل الجهات المتخصصة في مراقبة وتسجيل وتحليل البيانات الزلزالية. ونتيجة لنجاح وفاعلية هذه البرامج على المستوى القطري فإن اليونسكو اعتمدت أخيراً تنفيذ وتنسيق البرنامج الدولي لتقليل المخاطر الزلزالية والذي يعتبر مكونا رئيسيا ومهما ضمن العقد الدولي لتقليل المخاطر الطبيعية.
ولما كانت دول الوطن العربي بما تملك من مقومات وأسس مشتركة ومبادئ وقيم دينية وأخلاقية تفرض عليها الحفاظ على أي شكل من أشكال التقارب والتعاون فيما بينها لتحقيق التكامل العربي المنشود خصوصا منه ما ينعكس على توفير الأمن والحماية لدوله، وضمن هذا الإطار فان من مسئولية الجهات العلمية المتخصصة في الدول العربية ومنهـا مثلا المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب في الرياض بالسعودية) أن تتبنى تنظيم وترتيب أسس الاستراتيجية عربية لتخفيف المخاطر الزلزالية وتحديد منطلقاتها ومبادئها وأبعادها وأهدافها وآليات تنفيذها، بما يوافق الظروف العربية، وتحديد أسس الاستفادة المثلى من هذه الاستراتيجية من خلال الاستغلال الأمثل للطاقات البشرية والإمكانات المادية والتقنية. وبعد أن تنهي هذه الجهات ترتيب واعتماد مثل هذه الاستراتيجية يمكن لجامعة الدول العربية تعميمها على مستوى الدول العربية لاستخراج استراتيجيات وطنية قابلة للتطبيق وطنيا ومحلياً أيضاً.
وعمليا فإن اعتماد وتنفيذ البرامج الوطنية العربية لتقليل المخاطر الزلزالية يعتبر هدفا استراتيجيا رئيسيا وأساسيا له فوائد تنموية وغايات تطويرية بعيدة المدى لضمان التقدم الاقتصادي والتكنولوجي المستقبلي في الدول العربية.
إن الهدف المركزي والحاسم لأي استراتيجية عربية لتقليل المخاطر الزلزالية هو :
"التقليل والتخفيف - إلى الحدود الدنيا - من الخسائر البشرية والمعاناة الاجتماعية والفوضى الاقتصادية والتشويش السياسي والأضرار البيئية... التي تنتج عن حدوث الهزات الأرضية".
إن بلوغ هذا الهدف بنجاح يعتمد على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمتابعة تنفيذ ثلاثة نشاطات بشكل متواز ومتكامل وهي:
- جمع وتوثيق المعلومات والبيانات عن الخبرات المكتسبة والممارسات المتبعة عالميا لتقليل المخاطر الناتجة عن حدوث الزلازل وتشخيص فجوات المعرفة والإدراك بهذا الموضوع في الوقت الحاضر.
- اعتماد، والتعجيل في تطبيق جميع الإجراءات من الكوارث الزلزالية والاستعداد للتخفيف من الكوارث الزلزالية والاستعداد لمواجهتها بأقل خسائر بشرية ومادية ممكنة.
- إيجاد وتطوير وسائل وصيغ علمية وهندسية لتحسين أداء الأساليب المتبعة حاليا لتقييم المخاطر الزلزالية المتوقعة وتطوير الممارسات الكفيلة بتخفيف الخسائر الناتجة عنها.
إجراءات عملية لتقليل المخاطر
يجب أن نعترف أنه برغم هذا الجهد العلمي والعملي المطلوب لتنفيذ مثل هذه الاستراتيجية فإنه يمكن على سبيل التلخيص أن نحدد الإجراءات العاجلة لمحاولة تخفيف مخاطر الزلازل بإجراءات تنفيذ قبل حدوث الزلزال وأخرى بعده قبل حدوث الزلزال:
- إجراء التخطي البيئي والمدني للأبنية والمنشآت المقاومة للزلازل، وتقوية الأبنية الضعيفة في المناطق التي تتعرض أكثر من غيرها للنشاط الزلزالي.
- هدم وإزالة المنشآت الخطرة في الأماكن المحتمل تعرضها للزلازل، حسبما يوضح ذلك نموذج السيسمية التاريخي والمعاصر.
- إصدار القوانين والأنظمة والتشريعات اللازمة لتحقيق إجراءات التخطيط البيئي والمدني، لوضع كود وطني، يمكن الرجوع إليه عند تصميم المنشآت والأبنية المقاومة للزلازل، تراعي فيه العناصر الإنشائية وغير الإنشائية والجمالية.
بعد حدوث الزلزال:
- تضم خطط الطوارئ تحديد الأماكن التي يمكن استخدامها في حالة الكوارث الزلزالية. ومن المطلوب أن تشمل هذه الخطط عمليات الإنقاذ، وإقامة الملاجئ، والتحضيرات اللازمة للإخلاء الفوري. ويشارك في صياغة هذه الخطط ممثلون عن المديرية العامة للدفاع المدني، ووزارات الصحة والداخلية والتموين والإدارة المحلية وشئون البيئة .... إلخ.
- إنشاء مراكز لمعالجة الكوارث الزلزالية بعد وقوعها في المدن الكبيرة.
- صياغة قرارات وقوانين تشريعية وتنظيمية تطبق في حالة الكارثة، كإفراز مجموعات طبية أو عسكرية لتخدم المنطقة المتضررة بالزلزال.
- تشكيل جماعات خاصة تضم فرق إنقاذ، وعلماء وتكتيكيين وأطباء قادرين على التصرف بسرعة في الظروف الاستثنائية، ومتطوعين، على أن يوضح تحت تصرفهم معدات وآليات وأجهزة خاصة للإنقاذ، ويجب أن يفسح المجال أمامهم للقيام بوابهم دون تدخلات. ويتضمن ذلك إجراء تجارب اختبار لتقبل المواطنين للمفاهيم المطروحة حول هذا الموضوع.
- يجب أن تسعى الحكومات لأن يمتلك الناس الذين يعيشون في المناطق الزلزالية أصول الثقافة الزلزالية، فهم وأن كانوا يعيشون في أبنية مقاومة للزلازل، فإن على هذه الحكومات أن تضمن وجود قواعد لسلوك الناس في المناطق الزلزالية، على ألا يؤدي إدراكهم للخطر الذي يتهددهم إلى الشعور بانعدام الأمن والطمأنينة، ولكن هذا لا يعني أيضا أن يفقدوا يقظتهم المطلوبة لمواجهة كل كارثة زلزالية محتملة.
ويمكن لمركز عربي متخصص بالبحث والتطوير الزلزالي أن يدعم تطوير الاستراتيجية العربية المذكورة، وأن تغذيته بالإمكانات المناسبة ستجعله مؤهلا للعب هذا الدور، ويمكن أن يضطلع بالنشاطات التالية:
- تنفيذ البحوث الأساسية والتطبيقية.
- تخطيط استراتيجيات البحث العلمي بعيدة المدى والخطط البحثية قصيرة المدى.
- نقل وتوطين التكنولوجيا وإدامة التفوق والتميز العلمي.
- تقديم المشورة العلمية والفنية.
- إقامة البرامج التعليمية والتدريبية.
وكل ذلك يصب في إطار حماية الأقطار العربية ونسجها الاجتماعي وبنيتها التحتية والبيئة الطبيعية فيه أيضاً. فهل نسرع قبل أن تهتز الأرض تحت أقدامنا؟!