مختارات من:

هل أذنب الطبيب حقاً؟

غسان حتاحت

حكى لي أحد أصدقائي قصة حدثت لقريب له مع بعض الأطباء، وانتهى إلى أن أطباء هذه الأيام لم يعودوا يحكمون الضمير والأخلاق وآداب الطب في تعاملهم مع المرضى.

ومن المعروف أن الناس يحبون أن يصدروا أحكامهم جزافا دون مسوغات أو أسباب، ثم يعممون هذه الأحكام على الجميع، وكل من يعترض عليهم أو يخالفهم في الرأي يكون مخطئا على الأقل، إن لم يكن آثما أو متجنيا أو أخطل الرأي.

وسأروي تلك القصة أولا قبل مناقشة مضمونها.

لقد استدعى أهل أحد المرضى طبيبا معروفا مشهورا كي يداوي مريضهم الذي أدخل إلى مستشفى خاص في حالة صحية حرجة. لبى هذا الطبيب طلب الأهل، وذهب إلى المستشفى لفحص المريض. وإذا به يفاجأ بأنه يعالج تحت إشراف طبيب آخر مختص الاختصاص نفسه، وهو الذي أدخل المريض إلى المستشفى في المقام الأول. وهو الذي يقوم بالمداواة ويجري الفحوص والاختبارات ويصف الأدوية التي يراها مناسبة.

لهذا اعتذر الطبيب المستشار عن عدم فحص المريض إلا إذا طلب الطبيب المعالج منه ذلك، وفي هذه الحالة لا مانع لديه من القيام بواجبه. فما كان من الأهل إلا أن قالوا إنهم هم الذين يريدونه أن يفحص مريضهم، ولا علاقة للطبيب المعالج بهذا، فما كان من الطبيب المستشار إلا أن تركهم وذهب بعد أن ودعهم أو ربما دون وداع.

عندها أخذ الأهل يعيبون على المستشار هذا العمل ويصفونه بأسوأ النعوت وبأنه قد خالف الضمير والأخلاق والمشاعر الإنسانية، ولم يكتفوا بذلك بل أخذوا يعممون تلك الصفات على جميع أطباء هذه الأيام.

والحق أن الأهل هم الذين أخطأوا خطأ كبيرا إذ ليس من حقهم وقد سلموا زمام المعالجة إلى طبـيب ما أن يجلبوا أطباء آخرين إلا بعد موافقة الطبيب المعالج.

فالسفينة لا يمكن أن تبحر إلى بر السلامة بربانين، منذ أن كانت هنالك سفن وربابنة.

فلكل طبيب رأيه في التشخيص والعلاج. ثم يجب ألا ننسى أن هذا المريض في حالة حرجة خطرة لا تحتمل أن توصف له الأدوية كيفما كان. والطبيب المعالج هو المسئول الأول، وهو الحاكم بأمره. وقد قبل أهل المريض ذلك ورضوا به، عندما طلبوا منه أن يعالج مريضهم. أما إذا لم يعجبهم علاجه فليتركوه ويسلموا زمام المعالجة (من بابها إلى محرابها كما يقال) إلى طبيب آخر يرضونه، أما أن يجلبوا الأطباء وفق ما يرونه ودون علم الطبيب المعالج أو موافقته فذلك هو الأمر المخالف حقا لآداب مهنة الطب.

ولو كان الطبيب المستشار رضي أن يفحص هذا المريض وأن يعالجه دون علم الطبيب الذي أدخله إلى المستشفى فإنه عندها يكون مخطئا ومذنبا ومتجاوزا الأخلاق والضمير وآداب الطب، وليس العكس.

إن الأطباء يمارسون الطب وفق قواعد ثابتة تراعي الأخلاق وآداب الطب، أما أن يأتي من يجهل ذلك ويريد مخالفة هذه الأمور كلها فهو كمن يجتهد وفق هواه ويصدر الأحكام كما يشاء ثم تراه يعيب على هذا الطبيب وذاك ما ليس بالعيب.

وترى كثيرا من الناس يصغون إلى هذه الشكاوى دون تدقيق أو تمحيص. ولماذا التدقيق والتمحيص والشكاوى على الأطباء الذين يستحقون كل ما يقال فيهم من ذم وعيب؟ في حين أن هؤلاء الناس يصدرون أحكامهم على الأطباء ـ كما يرون ـ بمنتهى العدل والأمانة والأخلاق!

غسان حتاحت مجلة العربي سبتمبر 2000

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016