تنتاب الأطفال الصغار من وقت لآخر حالات من الخوف، قد تتطور لتصبح نوعا من الفوبيا أو الخوف المرضي، ما سبب هذه الحالات، وكيف يجب التعامل معها؟
يتوق معظم الآباء والأمهات لأن يروا أطفالهم يكبرون ويسيرون في طور النمو وهم بكامل الثقة والاستقلالية بدلاً من الخوف والانطوائية, وغالباً ما يشعر الأهل بالاضطراب إذا أحسّ أطفالهم بخوف مفاجئ من أمور عادية جداً كالماء, مثلاً, أو القطط والكلاب, ومن الطيور وبعض الأشخاص دون سبب محدد, فمن الطبيعي أن يخاف الطفل من أشياء قد تهدده بشكل مباشر كأن يمر بتجربة قاسية, مثلاً, أو يتعرض لموقف مخيف إذا هاجمه كلب ضخم شرس بالشارع أو الحديقة أو تعرض لسقوط مؤلم وهو يلعب بمكان ما, ففي هذه الحالات يكون الخوف مبرراً لأن الطفل يخشى من تكرار حدوث الشيء نفسه مرة ثانية, لكن ماذا عن الخوف الطفولي الذي يظهر بلا أسباب محددة أو على الأقل لأسباب لا يستطيع الأهل معرفتها?
الشعور بالأمان
الشعور بالأمن والاستقرار من أقوى الدوافع والحاجات النفسية التي يحتاج إليها الطفل, وقد أثبتت الدراسات أن الشعور بعدم الأمن يؤدي إلى القلق والخوف اللذين يؤثران بدورهما تأثيراً سيئاً في النمو الفيزيولوجي والعقلي والنمو الانفعالي للطفل.
ففي مرحلة ما قبل المدرسة, غالباً ما يرتبط الخوف لدى الأطفال بالحاجة إلى الأمن والاستقرار والإحساس بالطمأنينة, فالمواليد الصغار يكون شعورهم بالخوف محدوداً جداً, فهم يبكون إذا سمعوا صوتاً عالياً مفاجئاً أو صخباً قوياً وضجة, أو إذا سقطوا على الأرض, ويبدأون اعتباراً من الشهر السادس أو السابع بالشعور بالقلق والخوف من الغرباء والأشياء غير المألوفة لديهم, فالأطفال عندهم خوف فطري من كل غريب وجديد لأنهم لا يعلمون بعد إن كان يؤذيهم أو يسبب لهم الألم, ويبدو ذلك واضحاً على الأطفال في السنة الثالثة من العمر, فتراهم يخشون أي شيء جديد ومفاجئ, ربما يعتقدون أنه يشكـّل تهديداً مباشراً لهم وليس لديهم القدرة على تفاديه أو السيطرة عليه.
والطفل إذا ذهب إلى مكان لم يره إلا لأول مرة, أحسّ بالخوف والرهبة, فنجده صامتاً, وإذا تحدّث, فإنه يكون قليل الكلام, ويمتنع عن تناول الطعام والشراب الذي يقدم له, ولا يجرؤ على اللعب مع أقرانه الغرباء, وهذه كلها في حقيقة الأمر ظواهر ناتجة عن عدم إحساسه بالأمن, لكن إذا ما تكررت زيارته لهذه الأماكن, وتردد عليها بين الحين والآخر, نراه قد استوعب جيداً قواعد وقيم وضوابط هذه الأماكن, وبالتالي يتخلص تدريجياً من الإحساس المزمن بفقدان الأمن.
الخوف جزء من النمو
يقول (يوفون ميللر) أخصائي علم نفس الطفولة: إن خوف الطفل هو جزء من النمو, وعـلى الآباء ألا يشـعروا بالقـلق إزاء ذلك, وألا يبدوا الاهتمام إلا إذا تواصل شعور الطفل بالخوف والفزع لفترة من الوقت, ولم تجد معه محاولات الأهل بالتهدئة والتطمين, وفي هذه الحالة يجب ألا يبدي الآباء أي توتر أو عصبية في التعامل مع الطفل, ولابد لهم من بذل المزيد من الجهود والمحاولات المدروسة والواعية لفهم أوضاع وظروف أطفالهم, والأسلوب الأمثل للتعامل معهم, وكلما كانت محاولات الأهل هادئة ولطيفة, كانت الفائدة أكبر, إذ يعتقد بعض الخبراء في تربية الأطفال أن توتر الآباء وقلقهم ينعكس أيضاً على الأطفال لأنهم يتأثرون أيضاً بالجو العام للأسرة, فإذا كان الآباء من النوع العصبي, فإنهم, ولاشك سينقلون دون أن يدروا, رسالة إلى الأبناء بأن العالم مكان خطير ومخيف.
وينزع الأطفال إلى الخوف أكثر فأكثر مع بدء تعلم المشي والانتقال إلى الاعتماد على الذات, بخاصة أنهم في هذه المرحلة يصبحون عند مفترق عاطفي في نموّهم, فهم يريدون تأكيد ذاتهم ويرفضون تنفيذ التعليمات رغـم أنـهم فـي الواقع لا يزالون معتمدين كلياً على مَن حولهم.
أسباب للخوف
قد تكون هناك أحياناً عوامل وأسباب طبيعية آنية لخوف الطفل, فبعض الأطفال لديهم حساسية خاصة للأزمات العائلية والأسرية, فالقلق قد ينشأ في حياتهم نتيجة لعدم صفاء الجو الأسري بخاصة تلك المشاحنات التي تنشب بين الوالدين بحضور أطفالهما, فيفقد الطفل إحساسه بالأمن الذي يستمدّه من والديه مصدر الحب والحنان ومبعث القيم السامية والمثل العليا, وبالتالي تهتز القيم والمعايير في نفسه اهتزازاً عنيفاً, فينعكس ذلك في سلوكه, لذا, لابد من تجنب المناقشات الحادّة أمام الأطفال حفاظاً على صحتهم النفسية.
وهناك أسباب وعوامل أخرى تتمثل في التغييرات الدراماتيكية مثل الانتقال إلى منزل جديد أو ولادة طفل آخر أو ما شابه, فالأطفال ينمو لديهم الخوف من كل الأشياء كالظلام, مثلاً, أو تخيل وحش تحت السرير أو سماع قصة ما أو مشاهدة التلفزيون أو حتى الخوف من الأطفال الآخرين, وأحياناً أخرى ينشأ الخوف من داخل الطفل نفسه حيث تتمازج عنده مشاعر الغضب والغيرة من طفل جديد, على سبيل المثال, وما يرافقه من عدم فهم الطفل وإدراكه لحقيقة مشاعره هذه.
لكن تبقى مشاعر الخوف الحقيقية لدى الأطفال الصغار هي تلك المتمثلة في الحالات الواضحة والاعتيادية, كما ذكرنا, والتي تتركز على العوامل الطبيعية ومظاهرها المختلفة من رعد وبرق وظلام وأصوات مرتفعة, إضافة إلى الحشرات والحيوانات والمخلوقات الأخرى.
وغالباً ما تقترن مشاعر الخوف بمشاعر المتعة عند الأطفال كما هو الحال عندما نشاطرهم بعض الألعاب المثيرة كالمطاردة أو القفز والصراخ. كما أن الأطفال غالباً ما يخافون من أشخاص معينين كرجال الشرطة والأطباء والممرضات والممرضين وغيرهم. وبعضهم يخاف من الحلاق أو الجزار أو الانزلاق في الحمام والتعرّض للماء أو الحليب الساخن.
الخوف اللاعقلاني (الفوبيا)
يمكن تعريف (الفوبيا) بأنها خوف لا عقلاني عادة ما يقوّض حياة الطفل دون أن يكون مبنياً على أساس واقعي, إذ إن مصدر الخوف لا يشكّل فعلاً أي أذى أو تهديد يذكر للطفل كأن يخاف الطفل, مثلاً, من صورة الكلب أو من دعاية تلفزيونية لأغذية الكلاب أو من صوت كلب على بعد مسافات طويلة, أو حتى من المكان المخصص لتدريب الكلاب, وهنا لابد من التصرّف بعقلانية وحكمة لإخراج الطفل من هذه الحالة, فإجبار الطفل يزيد الأمر سوءاً ويجسّد الخوف لديه, كما أن إهمال الموقف وعدم التعرض له يمكن أن يقنع الطفل أن هناك بالفعل شيئا يجب الخوف منه ويعزز (الفوبيا) عنده.
وهنا لابد أيضاً من التصرف بموضوعية, ويجب الإجابة على تساؤلات الطفل بكل دقة وصدق, فحتى الأطفال الصغار قادرون على التمييز والتفكير العقلاني وهم يقدرون الحقيقة حق تقدير..! وفي هذه الحالة, يفضل أن نقرّب الطفل ببطء وروية من الشيء الذي يخافه ونحاول الإصغاء إلى ما يقوله عن سبب خوفه, ونأخذ ما يقوله على محمل الجد, ونعمل على طمأنته برقة أنه ليس هناك أي سبب للخوف أو القلق.
لا تسخر من الطفل مطلقاً أو تستخف به أو ترغمه على الاقتراب من كلب ضخم, مثلاً, أو النوم في غرفة مظلمة, ولا تهدده برجال الشرطة أو اللص أو العسكري الذي ربما يعاقبه إن لم يطع الأوامر أو إذا شاغب ولم يسمع للكلام, بل على النقيض, دعه يتعود تدريجياً على ما يخاف منه, وأكثر من المديح والثناء كلما حقق تقدماً في ذلك, فشعور الطفل بالخوف من طبيب الأسنان, مثلاً, يكون أخف بكثير لو اعتاد على زيارته منذ الصغر, وينصح أطباء الأسنان الأهل بأن يحضروا أطفالهم الصغار إلى العيادة لتعويدهم على رؤية الطبيب والكرسي والمعدات المستخدمة في العلاج, كما أن هناك ألعاباً خاصة تمثل الطبيب والممرضة وعملية الفحص والمعالجة وإعطاء الحقنة, وتعامل الطفل مع هذه الألعاب يجعله يتأقلم إلى حد ما مع رؤية الطبيب والممرضة ومعرفة ما يقومان به, مما يخفف من تطوّر الخوف منهما.
مراجعة الأخصائي
أحياناً يصعب إقناع الطفل بعدم الخوف من أشياء محددة إذا كنا نحـن الكبار أنفسـنا نخافـها, فنحن لا نستطيع كبح مشاعر الخوف من زيارة طبيب الأسنان أو من رؤية العناكب والسحالي والأفاعي, ولا نستطيع في الوقت ذاته منع هذه المشاعر من الانتقال إلى الأطفال.
وهنا لابد من مصارحة الأطفال وإخبارهم بحقيقة كل شيء ولكن بأسلوب مناسب, وإذا اتضح أن الطفل لم يستجب, وأنه من الصعب مساعدته بالقول أو الفعل, فإنه لابد في هذه الحالة من مراجعة الأخصائي لتقديم النصح والمشورة, ومن حسن الحظ أن معظم حالات الخوف التي تظهر في السنوات الأولى تتلاشى فيما بعد إذا تم التعامل معها بصبر وعناية.