مختارات من:

بين العقاد ونعيمة وجهاد

المحرر

جوابًا على الكاتب جهاد فاضل في العدد 651 - فبراير 2013، في مقال بعنوان «الناقد الجائر.. العقاد ونعيمة نموذجاً» لا نعلم لماذا هذه الحملة الدائمة على ميخائيل نعيمة وهو في لحده منذ عشرات السنين، وهو كان إنسانًا وديعًا ومسالمًا طوال هذه الحياة التي أمضاها في شخروبه متساميا وناظرًا إلى الكون من شرفة الأزل يقول في كتابه «سبعون» في آخر رده على الريحاني وقد اتهم بالأنانية «أنانيتي هو أني أسلك إلى حريتي سبيلاً مقفرًا من الرفاق، وحيثما عثرت فيه على آثار أقدام لا تبصر خضّبتها بدم القلب ومشيت. ألا سر في طريقك يا أمين وأنا سائر في طريقي، وطريقك وطريقي لن يلتقيا حتى في فضاء أينشتاين» (سبعون جزء 3). هذا كان رد ميخائيل نعيمة في نهاية الرسالة التي وجهها بعدما تقدم الريحاني وعاتبه بمناسبة كتابه عن «جبران خليل جبران».

إذن لم يفهم أحد ماذا كان يريده الكاتب الذي لم يكن فذًا فقط، بل كان معلمًا ومصلحًا حاذقًا عرف حقيقة الكون وليس الكلام السطحي والمهاترات التي لا تفيد أحدًا.

انتهازية الريحاني تتجلى في تفكيره السياسي عندما كان يصرّح بأن الفرنسيين احتلوا الشرق ووجب إخراجهم منه من خلال الكفاح بالسلاح أو بأي وسيلة أخرى متيسرة، ولكن نعيمة كان يجاوبه ويقول: «المهم يا صاحبي هو تحرر الإنسان من دنسه ومن رجسه ومن أوثانه، وبعدها نرى الكون كله قد تحرر وعادت كل الإنسانية إلى صوابها وسلمت وسلم معها كل الخلق، وإلا فمصيرهم جميعًا الفناء والزوال كما يجري في عصرنا التعيس هذا».

الريحاني كان زمنيًا وفكره محصور في هذه الأرض، بينما نعيمة كان صاحب مبدأ روحاني فلسفي يطول الزمان والمكان، بل يتجاوز الزمان والمكان إلى المدى الرحب.

أما في ما يخص الكتاب عن جبران، فهو كما قال عنه عبدالرحمن الخميس وهو من الكبار (لم يكن من الذين كتبوا عن جبران أحسن مما كان)، وماري هاسكل صديقة جبران الخالدة قد قالت بالفم الملآن «نعيمة مفكر وصديق جبران الحميم وهو يكشف النقاب عن حياة جبران الخاصة المحجوبة عن الأمريكيين، بداعي الفوارق، وعن السوريين بسبب تكتم جبران وتحفظه، وعن صراعه العنيد مع نفسه لينقيها من كل شائبة ويجعلها جميلة كالجمال الذي لمحه بخياله وبثه في سخاء في مؤلفاته ولوحاته». (سبعون - جزء 3).

هذا ما حاول نعيمة أن يفسره في كتابه الذي لم يستوعبه البعض، لأن ميخائيل نعيمة صادق مع نفسه ومع الغير، إذ فيه من نكران الذات الشيء الكثير، في قوله عند موت والده (أبو ديب) البرهان الساطع على هذا الصدق المدوّي:
«يا أبو ديب أتيت إلى الدنيا وذهبت دون طبل وزمر، ولكن الله كرمك في آخرتك لأنه لم يُكسر لك عظم، بل بقيت واقفًا ومرفوع القامة وهذا أكبر تكريم خصك الله به» (سبعون - جزء 3).
أما جبران فعندما سألته ماري هاسكل عن والده والكل يعرف الكثير عن خليل جبران، كان يقول «والدي كان أميرًا في الجيش وقد حاول الانقلاب على الدولة العثمانية لكنه فشل، وكانت النتيجة أن سجن وعائلته أصبحت في بوسطن».

يا للغرابة الصدق والمواربة، هكذا كان نعيمة وهكذا كان جبران صدق ومواربة والميدان بحاجة إلى دراسة طويلة ومضنية ليس من حقنا ولا اختصاصنا الخوض بها وفي تعاريجها وشعبها.
ميخائيل نعيمة هو ثروة روحية لنا ولهذا الشرق المعذب الذي لن يرتاح إلا إذا سار على هذه المبادئ الروحية المقدسة.

أما لماذا أخذ جبران جدلاً أكثر ولا نقول شهرة، فهذه الأسباب نعلمها جيدًا في لبنان والشرق، والزمن «كالغربال» الذي أحبه نعيمة كثيرًا لا يبقي إلا السمين والعظيم والخالد.

المحرر مجلة العربي مايو 2013

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016