تأليف: ف. نيابول
في شارع ميجيل، وعند مبنى الضيافة يأتي كل يوم، وبتوقيت محدد، ثلاثة من الشحاذين، وفي العاشرة صباحاً يأتي هندي يرتدي الجاكيت الأبيض والجوتي المميز، ونفرغ وعاء الأرز بداخل الكيس الذي يحمله على ظهره، وعند الثانية عشرة ظهراً تأتي امرأة عجوز وهي تدخن البايب الفخاري، وتشحذ سنتاً، وفي الساعة الثانية يأتي رجل أعمى يقوده طفل صغير ليشحذ سنتاً أيضاً، وفي أحد الأيام جاء رجل غريب، وقال إنه يتضور جوعاً، فقدمنا له الطعام وبعدها طلب لفافة من التبغ ولم يترك المكان إلا بعد أن طلب منا أن نشعلها له، وهكذا تسير الحياة برتابة في هذا الشارع الفقير. وفي إحدى الأمسيات جاء أيضاً رجل غريب آخر لم نره من قبل، وكانت الساعة الرابعة، وكنت عائداً من المدرسة وخاطبني الرجل قائلاً: (يا بني!! هل تسمح لي بالدخول إلى حديقتك)!!! ونظرت إليه، كان الرجل يبدو صغير الحجم ومتأنقاً ويرتدي قبعة سوداء وقميصاً أبيض وبنطالاً أسود، وبادرته بالسـؤال: ماذا تـريد يا سيدي!!! فأجاب الرجل: أريد فقط أن أراقب النحل في حديقتك!
كان في حديقة منزلنا أربع شجيرات صغيرة من النخيل، وقد اتخذها النحل بيوتاً له، كان طلبه يبدو غريباً على مسامعي، فركضت نحو أعتاب منزلنا صائحاً: أمي!! لدينا زائر هنا يقول إنه يريد الدخول إلى حديقتنا لمراقبة النحل! فخرجت أمي مسرعة لكي تنظر إلى الرجل نظرة غير مرحّبة قائلة: ماذا تريد بالضبط أيها السيد!! قال الرجل بوضوح شديد وبلغة إنجليزية سليمة: (أريد فقط يا سيدتي أن أراقب النحل في الحديقة)، واستطعت أن أرى بوضوح كم كانت أمي منزعجة من طلبه الغريب!! والتفتت إلي قائلة: (ابق مع الرجل وراقبه كما يراقب النحل، وإياك أن تذهب بعيداً!! أفهمت!!) فأجاب الرجل: (شكراً لك يا سيدتي، لقد أسديت لي عملاً جليلاً في هذا اليوم)! قالها أيضاً في بطء شديد، وبثقة عالية في النفس، وكان يشد على كل كلمة وكل حرف، وكأن ذلك يكلفه كثيراً من النقود، وجلسنا معاً نراقب تلك الحشرات الصغيرة، وهي تدور حول الشجيرات، تخرج ومن ثم تعود دون كلل أو ملل، وبقينا صامتين ونحن نراقب ذلك لمدة ساعة من الزمن، ثم قال الرجل فجأة: (إنني مغرم بمراقبة هذه الحشرات الجميلة، هل تحب ذلك يا بني!!) فأجبته بأنه لا يوجد لدي وقت لذلك!! فنظر إلي بأسى بدا على وجهه وكأنني افتقدت شيئاً جميلاً في هذه الحياة وهرش رأسه قائلاً: إن هذا عملي! أترى! إن مهمتي أن أراقب الأشياء! أنا أستطيع أن أراقب النمل أيضاً وهو يدب على الأرض ولساعات طويلة. هل سبق أن راقبت النمل وهو يسير بخطوط مستقيمة? أنا أستطيع أيضاً أن أراقب العقارب، هل راقبت كل ذلك?! لم أجد أي إجابة سوى أن أهرش رأسي بيدي لأبحث له عن أجوبة لأسئلته المحيّرة وغير المتوقعة، وسألته: (وما هو عملك بالضبط أيها السيد!!?) فنهض على قدميه قائلاً: (أنا شاعر..)! (بل إني أعظم شاعر في هذا العالم الذي تراه حولك). وسألته: (وما هو اسمك يا سيدي)?! أجاب: (إن اسمي هو ب. وردز ورث..!)، وسألته: بيل وردز ورث?! فأجاب بسرعة: (لا. بل هو بلاك وردز ورث، وأخي هو وايت وردز ورث ونحن نتقاسم معاً قلباً واحداً).. وتابع قائلاً: (إنني أستطيع مراقبة زهرة صغيرة مثل مراقبة ضوء الفجر، وبعدها أستطيع أن أصرخ)!! وسألته باستغراب: (ولماذا الصراخ?!)، فأجاب: (إيه يا بني.. !! ستعرف ذلك عندما تكبر.. أنت الآن صغير، عندما تكون شاعراً، فإن كل شيء حولك يدعوك إلى الصراخ، إن الطفل يستقبل الدنيا بالصراخ فهو يستشعر الألم مسبقاً).. لم أستطع منع نفسي من الضحك، ثم همس قائلاً وكأنه يقول سرّاً لا يعرفه غيره: (إن كل واحد منا هو في أعماق نفسه شاعر بل هو مشروع لفكرة أو حلم ما يحتفظ بهما، إن الناس جميعاً إما حالمون أو شعراء..)، ثم سألني: هل تحب أمك?! فأجبته: (نعم. ولكن في الأوقات التي لا تضربني بها). ثم سحب من جيبه ورقة مطبوعة وقال: (اسمع! في هذه الورقة أعظم قصيدة عن الأمهات، وأرغب في بيعها لك بسعر مميز!! فقط أربعة سنتات! ما هو رأيك)?! ركضت مسرعاً إلى داخل بيتنا صائحاً: (أمي!! إن الرجل يقول إن لديه قصيدة شعرية عن الأمهات ويرغب ببيعها بسعر أربعة سنتات فقط)، فهرعت أمي إليّ قائلة: (ماذا أيها المجنون! قصيدة!! قل لهذا المعتوه بأن يحمل ذيله ويخرج سريعاً من حديقتي! الآن فوراً!)، ورجعت إلى الرجل منكسراً لأقول له: (يا سيدي... إن أمي لا تملك أربعة سنتات)!! فقال بلا مبالاة: (حسناً..)، ووضع القصيدة في جيبه بكل عناية وقال: (هذه مأساة الشاعر!)، وقلت له: أليس من العبث أن تتجول هنا وهناك حاملاً قصائدك للبيع! هل اشترى منك أحد قصيدة?! فأجاب بأسى: (لا.. لم يشتر أحد مني أي قصيدة)، وسألته: (ولكن لماذا تستمر بهذا العمل?!)، أدار وجهه إلي قائلاً: (لأن هذا العمل يتطلب مني التجوال كثيراً والتجوال يتيح لي مراقبة الكثير من الأشياء، ولهذا أيضاً، فإني دائم التفاؤل بمقابلة شعراء مهمين).. وسألته: (هل تعتقد بأني شاعر?!)، وأجاب مبتسماً: (نعم يا بني.. إنك شاعر عظيم لا تقل شأناً عني..).
تركني السيد (وردز ورث) وجلست وحدي أصلي من أجل أن أراه ثانية، وبعد أسبوع، وعندما كنت عائداً من المدرسة، قابلته في شارع ميجيل فاندفع إلي قائلاً: (أين كنت يا بني?! لقد كنت متلهفاً لرؤيتك ثانية)! فسألته فرحاً: (هل بعت يا سيدي شيئاً من قصائدك?!) فنظر إلي وهرش رأسه بأسى ولم يجب، بل قال: انظر! لدي في حديقتي أجمل شجرة مانجو في (بورت أوف سبين)، وثمار المانجو قد نضجت هذه الأيام، وأصبح لونها أحمر، وهي شهية ولذيذة، ولقد انتظرتك طويلاً لكي أراك وأدعوك الآن لزيارتي لنأكل معاً من ثمار المانجو..).
كان السيد (وردز ورث) يعيش في شارع ألبرتو وفي كوخ من غرفة واحدة يتوسط مساحة خضراء مليئة بالأعشاب الطويلة، وكانت هناك أيضاً شجرة واحدة من المانجو بجانبها شجرة أخرى من جوز الهند وثلاث أشجار صغيرة من الخوخ، كان المكان أشبه بغابة صغيرة بدت وكأنها لا تنتمي إلى المدينة بأي صلة، بحيث إنك لا تستطيع أن ترى من خلالها البنايات الكبيرة التي بجانب المكان، لقد كان السيد مصيباً. كانت ثمار المانجو شهية ولذيذة، فالتهمت ستا منها بحيث تسرّب السائل الأصفر من يدي حتى وصل إلى المرفقين، ومن فمي إلى ذقني وحتى قميصي الذي امتلأ وتلطخ بالسائل، وعندما عدت إلى البيت بادرتني أمي بالنظر إلي صائحة: أين كنت طوال هذه الفترة، هل تعتقد أنك أصبحت رجلاً لتذهب إلى أي مكان تريد ومتى ما شئت?! وهكذا توالت الضربات على رأسي من أمي ولم أشعر إلا وأنا أجري بغير هدى في الشارع، وأقسمت ألا أعود إلى البيت مرة ثانية، كان الدم ينزف حاراً من أنفي ولم أجد سوى السيد (وردز ورث) التجئ إليه ووجدته واقفاً أمام بيته ونظر إلي مواسياً وقال: (توقف يا بني عن البكاء، ما رأيك بأن نذهب معاً في نزهة قصيرة!!) ومشينا معاً حتى جادة (سانت كلير) ومن ثم إلى ساحة سباق الخيل وشعرت بارتياح رغم انقطاع نفسي، وحل الغروب، وهنا قال لي السيد وردز ورث: دعنا الآن نستلقي على هذه الحشائش وننظر إلى السماء، وأريدك أن تفكر معي كم تبعد هذه النجوم عنا?! وفعلت ما طلبه مني ووجدت نفسي أني لا شيء في هذا الكون الواسع، وبالحقيقة لم أشعر قط في حياتي بأني شخص مهم أو كبير! ولكني نسيت كل آلامي وغضبي ودموعي وتلك الضربات المؤلمة، وعندما قلت له إني أشعر بالراحة، بدأ يسرد علي أسماء النجوم ومواقعها، وكان يبدو لي أنه خبير بها. والآن بعد كل هذه السنوات، نسيتها كلها ولم أعد أذكر سوى موقع النجم أوريون، وفجأة لمع ضوء ساطع وانتصب أمامنا رجل شرطة صارخاً: (ماذا تفعلان هنا?) فأجاب السيد وردز ورث: (الحقيقة يا سيدي إني أحاول منذ خمسة وأربعين عاماً العثور على إجابة لهذا السؤال!!!) وبعدها أصبحنا أصدقاء، وفي يوم من الأيام قال لي: (أريد منك يا بني ألا تخبر أحداً عني أو عن شجرة المانجو، يجب أن توعدني بأن تبقي كل ذلك سرّاً بيننا! وإذا أخبرت أحداً فإني سأعرف ذلك، أتعرف لماذا?! لأني شاعر وأعرف كل شيء..)، وأعطيته كلمتي.
في أحد الأيام، قمت بزيارته في كوخه، كانت هناك غرفة واحدة لا يوجد بها أثاث يذكر سوى سرير صغير كنت أتعجب كيف ينام عليه، ولكن الغرفة مع ذلك كانت نظيفة وموحشة، وسألته في أحد الأيام لماذا يبقي كل هذه الحشائش تنمو وتعلو دون أن يعمل على قصّها، وكيف أنها تجعل المكان رطباً وحارّاً أو خانقاً، فأجاب: (اسمع يا بني!! سأخبرك بقصة.. في يوم من الأيام، تعرّف فتى على فتاة، وأحبّ كل منهما الآخر، وقررا أن يتزوجا، أتعرف لماذا? لأنهما شاعران! كان هو يحب الكلمات وهي تحب الأزهار والأشجار والحشائش، وعاشا بسعادة في كوخهما الصغير، وفي أحد الأيام، قالت له إن شاعراً صغيراً سينضم لعائلتنا، ولكن هذا الشاعر الصغير لم يولد أبداً، أتعرف لماذا?! لأن الفتاة الشاعرة ماتت ومات معها الشاعر الصغير، وحزن الشاعر عليهما حزناً شديداً، وأقسم أنه لن يمس شيئاً كان يخصّها، وهكذا بقيت الحديقة على ما هي عليه موحشة، وأعشابها عالية تماماً كما تركتها. ونظرت إليه وكانت قسمات وجهه تنم عن حزن دفين، لقد فهمت تماماً ما يقصد من وراء هذه القصة، كان يبدو وهو يروي القصة وكأنه قد كبر فجأة وأن سنوات عديدة أضيفت إلى عمره، وذهبنا بعدها إلى حديقة الحيوانات البحرية، وصعدنا تلة (شانسيلور)، وراقبنا حلول الظلام حول (بورت أوف سبين) والسفن في الميناء، كان يراقب كل ذلك بمتعة ظاهرة، وكأنه يرى ذلك لأول مرة، ثم التفت إلي وقال: ما رأيك في تناول الآيس كريم?! ثم قال بجدية ووقار: (أي مقهى سيتشرف هذه الليلة بزيارتنا له?!)، ثم أردف: (أعتقد أني سأتفاوض مع ذلك المقهى لشراء الآيس كريم)، ثم اتجهنا بخطى مستقيمة وبثقة نحو المقهى، وفي أحد الأيام، كنت في حديقته، نظر إلي بجدية قائلاً: (عندي لك سر عظيم، وسأخبرك به!!) فنظرت إليه بدهشة: أي سرّ هذا..?!)، ونظر إلي وقال: (إن هذا سر بيني وبينك فقط، يجب ألا يعلم به أحد.. إنني أكتب قصيدة!!)، وبخيبة أمل قاسية نظرت إليه!!، وتابع يقول: (إن هذه القصيدة أعظم قصيدة في العالم.. وتختلف عن غيرها).. ومع ذلك لم أمنع نفسي من التصفير إعجاباً، وقال: (إني أعمل بهذه القصيدة منذ خمسة وعشرين عاماً، وسأتمّها خلال السنوات الاثنتين والعشرين القادمة، هذا إذا استمررت في العمل على هذا المعدل نفسه)، وقلت له: (إنك تعمل كثيراً بهذه القصيدة)، فأجاب:( ليس كما كنت في السابق، إنني أكتب سطراً واحداً كل شهر وهو يختصر خبرتي في ذلك الشهر، وذلك بعد أن أتأكد تماماً أنه مناسب للقصيدة)، وعندما سألته عن السطر الذي كتبه في الشهر الماضي رفع رأسه إلى السماء وقال: (الماضي بعيد)!! فاستحسنت ذلك!! وقال: آمل أن يختصر ذلك خبرتي في الشهر، خلال السنوات القادمة الاثنتين والعشرين سأكون قد كتبت أعظم قصيدة تتغنى بها الإنسانية. وعندما سمعت ذلك، امتلأت فخراً بهذا الشاعر، واعتقدت أني أمام شاعر عظيم يخاطب الإنسانية تماماً كما يخاطبني!!
وخلال مشينا في أحد الأيام عند جدار البحر سألته: مستر (وردز ورث) هل تعتقد أني إذا رميت هذا الدبوس في الماء سيطفو! فنظر إلي بغرابة وقال: (إن هذا عالم غريب دعنا نر ذلك)، فرميته بالماء، فغرق، وكنت كلما سألته عن القصيدة يقول لي إنه مازال يعمل بها وسينجزها بوقتها، ولم أسأله عنها مرة ثانية، كنا نجلس معاً على جدار البحر نراقب السفن وهي تغدو وتروح نشطة عبر الميناء عندما سألته فجأة عن العمل الذي يقوم به، واستفسر قائلاً: أتقصد من أين آتي بالمال كي أعيش به! فهززت رأسي بأن ذلك ما أقصد، وضحك بطريقة هزلية وكأن ذلك شيء لا جدوى من التفكير به، وقال: (إنني أغني أغاني دينية في مواسم الاحتفالات هنا... وسألته: (وهل ذلك على ما أظن يكفيك إلى نهاية العام)?! فأجاب: (إن ذلك كاف)، وقلت له: (لكنك ستصبح أغنى رجل في العالم عندما تكمل قصيدتك).. فضحك ولم يجب.
في أحد الأيام، ذهبت إليه في كوخه، فوجدته نائماً على سريره الصغير، وكان يبدو لي وكأنه شخص آخر بدا هرماً أكثر مما اعتدت رؤيته عليه في السابق، وضعيفاً يئن بصمت، واعتقدت أنه كان يقترب كثيراً من الموت، فلم أمنع نفسي من البكاء، وقال دون أن يلتفت إلي: (إن الأمور لا تسير على ما يرام في القصيدة!!) كان ينظر عبر النافذة إلى حيث شجرة المانجو، وكان كأنه يكلم شخصاً آخر غيري لا أراه، ويتحاشى النظر إلي... و.. وتابع كلامه قائلاً: (عندما كنت في العشرين كنت بكامل قوتي.. لا أعرف ما جرى..)، كان يبدو كأنه شخص آخر متعب وعليل، اقتربت منه ونظرت إلى عينيه ونظر صوبي بعينين متعبتين، وبدا الموت واضحاً على قسمات وجهه المتقلص، ورأى الدموع تنهمر من عيني، فجلس على سريره وجاهد بالابتسام وقال: (أوه يا بني!! لقد كنت دائماً على علم بأن لديك عيني شاعر يراقب كل شيء..)، ووجدت نفسي أنفجر بالبكاء عالياً، فسحبني إلى صدره النحيل وقال: (هل ترغب في أن أقص عليك قصة حزينة?!)، وتابع كلامه مبتسماً: (عندما أخبرك بهذه القصة هل توعدني بألا تخبر أحداً عنها?!).
فهززت رأسي بالموافقة وتابع قائلاً: حسناً اصغ إذن إن القصة التي أخبرتك عنها، تلك القصة أتذكرها عن الفتى والفتاة الشاعرين..!! إنها قصة مختلفة لا وجود لها، والقصيدة الشعرية الطويلة كذلك هي أيضاً من نسج خيالي ولا وجود لها، أليس ذلك مضحكاً..?!) واختفى صوته بعد ذلك تدريجياً، عدت بعدها إلى البيت وأنا أبكي بصمت كئيب وأصرخ، تماماً كما يفعل الشعراء.. ألست أنا شاعراً.
بعد عام، مررت بجانب بيته الذي كان في شارع ألبرتو، لم يكن هناك شيء، فلقد ذهب كل شيء، فهناك كانت تقام بناية ضخمة من دورين، لقد تم قطع أشجار المانجو وجوز الهند والخوخ، ووضع مكانها أكوام من الإسمنت والطوب، وكأن السيد وردز ورث لم يوجد أصلاً في ذلك المكان، وتعجّبت كيف لم تقم المدينة أي احتفالات لرحيل هذا الشاعر العظيم، الذي ذهب ولم يلتفت إليه أحد، وكم كان استغرابي كثيراً ذلك الوقت - كيف أن الحياة الرتيبة في شارع ميجيل قد استمرت في اليوم التالي على ما هي عليه، وصرخت بأعماق نفسي - كما يفعل الشعراء - لماذا لا يبدو على الناس أي اكتـراث لرحيـل الشـاعر الكـبير السـيد (ب. ورد ورث).