وسائل التنافس غير الشريف, والطموح الجشع في الكسب, لم تتوقف عند ميادين الاقتصاد والسياسة, بل تجاوزتها إلى حقول يفترض أنها إنسانية وجميلة, كالرياضة.
في مستهل الألفية الثالثة, بدأ نجم العداء الواعد الجزائري سعيد الصياف في البزوغ, لفت انتباه العديد من المحللين وتنبأوا له بمستقبل زاهر بل منهم من دفع بالتنبأ كثيرا فرأى فيه المنافس الوحيد الذي بإمكانه أن يزيح العداء العالمي هشام الكروج عن عرش المسافات المتوسطة, ومنهم من اعتبره الخليفة الطبيعي لنور الدين مرسلي. إلا أن كل هذه التنبؤات ما فتئت أن انكسرت على صخرة الواقع المر, فخلال بطولة العالم الأخيرة التي جرت صيف السنة الماضية بإدمونتون بكندا تمكن العداء سعيد الصياف من إحراز الميدالية الفضية وهو شاب يافع لم يكمل بعد سنته الثانية والعشرين, إلا أنه وأمام اندهاش الجميع أعلنت اللجنة الطبية أن الفحص الطبي الذي أجري على عينة من بول العدّاء أبرزت وجود مادة النولدرنون, إذ تم ضبط 10 نانو غرام في الميللتر في حين أن النسبة العادية يجب ألا تتعدى 2 نانو غرام/ميللتر, وتطبيقا لقوانين الاتحاد الدولي لألعاب القوى فقد تمت تنحيته من منصة التتويج ومعاقبته بسنتين من التوقيف عن المشاركة في منافسات ألعاب القوى.
حاليا وبرغم نفسيته المحطمة, مازال سعيد الصياف يتمرن بفرنسا والمكسيك ولعل عقوبة التوقيف لسنتين لا يكون لها بالغ الأثر في استرجاع مقوماته ومعنوياته الواعدة.
تحقيق الإنجاز الرياضي
تعرف اللجنة الأولمبية الدولية المنشطات بكونها أي مادة أو طريقة فيزيائية أو صناعية تحظرها اللجنة الأولمبية, وتعني كذلك استخدام مختلف الوسائل من مواد كيميائية أو فيزيولوجية أو طبيعية بغرض تنبيه الجهاز العصبي المركزي أو زيادة رد الفعل الانعكاسي بهدف تحسين الأداء أو تخفيف الإحساس بالألم أو رفع الكفاءة النفسية والجسدية للرياضي.
فالمنشطات المحظورة رياضياً ثلاثة أنواع: هناك عقاقير دوائية محظورة تماما كمنبهات الجهاز العصبي والهرمونات البنّاءة وهرمونات الغدة النخامية, وهناك استخدام عقاقير للتغطية على المنشطات المحظورة, والمجموعة الثالثة تضم أدوية عليها بعض التحفظات الخاصة كالكحول والمخدرات.
وحسب الباحث المصري نديم المصري في كتاب أصدره سنة 2001 تحت عنوان (الرياضة والتغذية) عن دار الفكر بدمشق, فإن الكثير من الرياضيين من الجنسين خاصة في الغرب يلجأ إلى استعمال المنشطات لأنها حسب رأيهم الطريق الأفضل للبطولة, فمنها ما يزيد الكتلة العضلية ويرفع قدرات الجسم على تحمل الآلام, ومنها ما يزيد القدرة البدنية ويؤخر التعب ويزيد في سرعة الرياضي في المسابقات, ومن أبرز هذه المنشطات هناك:
- مكملات البروتين لبناء العضلات ونموها وترميم النسيج العضلي الذي يتهدم بعد التمرين.
- حارقات الشحوم مثل الإفدرين الذي يستعمل لدعم الطاقة وزيادة القدرة وتحسين الكفاءة,
- هرمونات النمو وهي صنعية المنشأ تشبه في تأثيرها هرمون النمو البشري الذي تنتجه الغدة من حيث نمو العضلات وحرق الدهون, فهي تبني الكتلة اللحمية وتزيد القوة العصبية كما تزيد من سرعة استعادة العضلات لعافيتها وتخفض شحوم الجسم أيضا.
- الستيرويدات البناءة هي مشتقات صنعية للهرمون الذكري التستوسترون الموجود صنعيا في الجسم ويستعملها الرياضيون من أجل بناء ونمو الكتلة العضلية, وزيادة كثافة العظم ونموه وزيادة القوة العضلية وتحسين الأداء الرياضي.
- الأريثروبويتين (EPO) هرمون تنتجه الكلية بشكل طبيعي وينظم إنتاج كريات الدم الحمراء التي تنقل الأكسجين إلى جميع أنحاء الجسم, وكمثال بسيط على قدرة هذا الهرمون الطبيعي في تحسين أداء الرياضي أنه يمكن عداء الماراثون من ربح عشر دقائق بالمقارنة مع توقيته العادي.
- وما يزيد في صعوبة الكشف عن هذه المواد هو كون البعض منها له القدرة على التمويه والاختفاء بسرعة كما بإمكانها أن تندثر مع الجسم أو يتم إضافة بعض الأدوية المكملة مهمتها إخفاء المنشط الأصلي, كما أن بعض المواد من الصعب العثور عليها على اعتبار أن التحاليل جد مكلفة يمكن أن تصل إلى 15 ألف فرنك فرنسي لكل عينة.
الانعكاسات السلبية
قد يعتقد المرء عن خطأ أن توقيف العداء الكندي بن جونسون في أولمبياد سيول 1988 يشكل البداية الحقيقية للوعي بوجود خطر مهدد اسمه المنشطات, ذلك أن تاريخ الممارسة الرياضية مليء إلى حد التخمة بالعديد من الأمثلة والنماذج التي تبرز تجذر هذه الممارسة, فهو يعج بالأمثلة الصارخة لتناول المنشطات, فقد استعمل الصينيون القدامى وقبائل شرق إفريقيا مزيجا من الأفدرين مع نبات الكولا بقصد أداء الطقوس الدينية, كما استخدم سكان أمريكا اللاتينية والشمالية قديما مادة القهوة والكوكايين لزيادة لياقتهم البدنية وتحمل الجوع, وفي سنة 1886 سجلت أول حادثة وفاة في سباق الدراجات في فرنسا نتيجة استخدام مفرط لمادة الكافيين, واستعملت مادة الامفتامين في سنوات الحربين العالميتين الأولى والثانية لزيادة قدرة اللاعبين, إلا أن منتصف القرن الماضي دشن عهد الاستعمال المكثف للمنشطات وخصوصا في إيطاليا إذ ما بين عامي 1961و1962 تبين أن 94% من لاعبي كرة القدم الإيطالية يتعاطون المنشطات خلال التدريب, وخلال الألعاب الأولمبية بروما 1960 توفي دراجان من جراء تناولهما لمنشط الأمفتامين, وفي سنة 1980 أعلن لاعب كرة المضرب الفرنسي يانيك نواه أن التعاطي للمنشطات عملة رائجة في وسط اللاعبين المحترفين للتنس, وذلك بفعل إكراهات الممارسة الرياضية من رهانات مالية ضخمة وبرنامج للتباري مكثف, وأخيرا الصعوبة التي بدأت تميز المنافسة نفسها, وفي سنة 1998 تمكن قاض إيطالي من تفكيك شبكة منظمة مختصة في تزويد أندية الدرجة الأولى في كرة القدم بالمنشطات.
هذه الأمثلة القليلة تبرز أن أي نوع رياضي لم يسلم من تبعات المد الجارف للمنشطات, كما أضحت السبيل الأمثل والأسرع لتحقيق المبتغى على الصعيد الرياضي وهناك حاليا 1229 مادة منشطة محظورة الاستعمال. وما هو مؤكد أن الحرب الضروس التي تعلن حاليا على تناول المنشطات تهدف أساسا إلى تحقيق هدفين: حماية الممارسة الرياضية من الانزياح عن المسار الصحيح الذي اختط لها, فتناول المنشطات يضرب بعرض الحائط العديد من القيم والمثل التي تتأسس عليها الرياضة نفسها, فهي لا تتنافى فقط مع القيم الأخلاقية, بل وتؤدي إلى المنافسة غير المتكافئة بين الرياضيين وتعكس نوعا من الغش والخداع والمنافسة غير الشريفة. أما الهدف الثاني فيتجلى في حماية الرياضيين أنفسهم من الآثار الجانبية الخطيرة لتناول المنشطات والتي قد تصل إلى الوفاة. إن العديد من المتتبعين للحدث الرياضي لم يفتهم الموت المفاجئ للبطلة العالمية جريفيت جوينر صاحبة الرقمين القياسيين العالميين في مسافتي 100م و200م وهي في زهرة عمرها علما أن اعتزالها المبكر أثار العديد من الشكوك, فقد لاحظ المحللون أن جسدها بدأ يميل أكثر لاكتساب الطبائع الذكورية. وقد أفضت الأبحاث والدراسات إلى كون التناول المفرط للمنشطات يؤدي إلى العديد من الاختلالات البيولوجية والانعكاسات السلبية على صحة الرياضيين ومنها على سبيل الذكر:
إتلاف الكبد والكلية إذا ما استعمل لمدة طويلة, حدوث نوبات الصرع والسكتات القلبية, التعجيل في نمو السرطان, ارتفاع ضغط الدم والأمراض القلبية, كما يفضي تناول جرعات قوية من الهرمونات البناءة إلى الموت المحقق ( 25 حالة موت في ظرف 20 سنة), الإدمان المفضي إلى الأمراض العقلية كالجنون مثلا, العقم الدائم وضمور الخصيتين والطمث.
دول ورجال أعمال
هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى التنامي المتسارع لظاهرة تعاطي الرياضيين المكثف للمنشطات منها ما هو شخصي مرتبط بالطموح الخاص للبطل في تحقيق الإنجاز الرياضي, ومنها ما هو خارجي لصيق بالظرفية السياسية والمحيط السوسيواقتصادي.
ولعل الرجوع سنين إلى الوراء يبرز بجلاء الاهتمام المكثف لرجالات السياسة بالرياضة كإحدى الواجهات المهمة لتبرير مدى نجاعة النظام السياسي المعتمد, فخلال فترة الحرب الباردة لم تسلم الرياضة من أوجه الاستغلال سواء بتجميد المقابلات الرياضية بين الكتلتين المتنازعتين أو التنافس على تحقيق أكبر قدر من الانتصارات وحصد الميداليات, أو استغلال الانتصارات الرياضية للدعاية بطرق لاحصر لها, وقد كانت دولة الاتحاد السوفييتي سابقا, بارعة في هذا المجال, فمع نهاية الحرب العالمية الثانية تبنى النظام السوفييتي هدفا جديدا ألا وهو تدارك التأخر وتجاوز القوى الصناعية الغربية, ومكنت الرياضة من جعل الاتحاد السوفييتي يتصدر المراتب الأولى أمام الغرب, أما بالنسبة لألمانيا الشرقية فقد خلقت نموذجا فريدا من نوعه حيث أصبحت المثال الذي يحتذى به بالنسبة لكل دولة تصبو للتحول إلى معامل رياضية وإعلاء التنظيم التركيزي للتلاعب البيولوجي والنفسي إلى مستوى مؤسسة الدولة. هكذا فقد ولت هذه الأنظمة السياسية وجهها صوب الرياضة وجعلتها قضية وطنية سامية, وكانت لا تتورع في تحريف الرياضة عن مبادئها السامية بخلق مصانع خاصة للتلاعب بفيزيولوجية البطل لكسب رهان التفوق, ومع انهيار حائط برلين والكشف عن المسكوت عنه, الذي كان يدرج في خانة أسرار الدولة, تم اكتشاف فظاعة التلاعب بالأجساد البشرية وتحويلها إلى أشباه حيوانات مبرمجة فقط على الإنجاز الرياضي.
والغريب في الأمر أنه حتى الدول المتقدمة شعرت لحظة بأن تفوقها الاقتصادي والاجتماعي والعلمي لم يعد يكفي لشد الانتباه وتمكين القبضة من العقول, فبدا لها متيسرا أن تستثمر أموالا طائلة في البحث والتنقيب عن رياضيي المستقبل, ومرات عدة تغض الطرف عن العديد من الممارسات اللاأخلاقية والتساهل مع الرياضيين في استعمال المنشطات لدرجة اعتقد البعض أنها غير محظورة بالمرة, فالعديد من الدول على شاكلة فرنسا وإيطاليا لاحظت في منتصف الستينيات ضعف إنجازات أبطالها على الصعيد العالمي من حيث الميداليات أو الألقاب العالمية, وبالتالي بدأت تستنجد بخبرة المعسكر الشرقي بجلب الأطباء والخبراء للزيادة في المقدرة الجسمانية للبطل الرياضي على المقاومة ومضاعفة المجهود لتحقيق الإنجاز الرياضي المتوخى, الشيء الذي يفسر في شق كبير كيف أنه في زمن وجيز انتشر استعمال المنشطات إلى كل الأنواع الرياضية ودون استثناء.
وفور ما انفلتت الممارسة الرياضية من قبضة السياسيين وخدمة أهدافهم, حتى ظهر إلى الوجود متدخل آخر يسيل لعابه للرياضة ويرى فيها أكبر دعامة لتوسيع دائرة انتشاره, ونقصد رجال الأعمال والاقتصاديين, فقد اتضح بجلاء أن الممارسة الرياضية تفرز العديد من القيم كالتعاون والتآزر وروح الفريق والتحدي وقهر الصعاب, كما أنها وسيط يمكن من التواصل مع الملايين من المتفرجين أي المستهلكين, وقد بدأ هذا التهافت يتقوى في منتصف عقد السبعينيات مع البث التلفازي, وتسابق الشركات العالمية للالتصاق بإنجاز البطل العالمي خالقة وهما بأن الشركة قد ساهمت هي الأخرى في تحقيق هذا الإنجاز, وهي معطيات كان لها حميد الأثر في الممارسة الرياضية بضخ أموال كثيرة في صناديق الأندية, لكن في المقابل كان هناك شعور بأن الرياضة بدأت تنزاح شيئا فشيئا عن المسار الصحيح وعن التوجه الذي سنّته اللجنة الأولمبية الدولية, من خلال الاهتمام بأنواع رياضية دون أخرى, التطبيق المتواصل للضوابط الاقتصادية على المجال الرياضي, التكثيف من التظاهرات الرياضية إذ تحوّلت الفرجة إلى صناعة قائمة بذاتها, كما أن الرياضي أضحى أكثر من أي وقت مضى مدعوّا لبذل مجهود إضافي بالنظر لعدد المقابلات التي هو ملزم أن يقوم بها, أي بصفة عامة مستوى المنافسة ارتفع بشكل رهيب وبدأ يلامس السقف الذي لا يمكن للجسد الإنساني أن يخرقه معتمدا على قدراته الطبيعية, وهذا ما كان محفزا أو مرغما للعديد من الرياضيين, حتى يسايروا الركب, على التناول المفرط للمنشطات واللجوء إلى متخصصين في مجال التلاعب الفيزيولوجي لمقاومة الجهد والإكثار من الكريات الحمراء التي تضخ الأكسجين الضروري لجسد الرياضي.
وتفيد العديد من الدراسات المهتمة بظاهرة المنشطات بأن الصعوبة التي تقف في وجه محاربة هذه الآفة تكمن أساسا في تحوّل المنشطات إلى تجارة واسعة, تتكفل بها مؤسسات مهيكلة بصفة احترافية وشبكة منتشرة في كل بقاع المعمورة مما يصعب من مأمورية الحد من نشاطها, ويتم التمييز عادة بين سوق للمنشطات تتشكل في 70% من الأدوية التي تباع بشكل عادي في الصيدليات, و30% تباع كمخدرات بشكل مسموح به في بعض البلدان كإيطاليا وهولندا, ولتوضيح مدى انتشار وتفشي ظاهرة التعاطي للمنشطات فإن كل الرياضات ودون استثناء لم تسلم من تبعاتها, فقضية فيستينا للدراجات أو كرة القدم, التزحلق على الجليد أخيراً أبانت, أن المنشطات لا تقتصر فقط على رياضات القوة كحمل الأثقال والبناء الجسماني, بل أضحت الملاذ الآمن لكل رياضي يصبو لتحقيق إنجاز في أسرع الأوقات. وفي فرنسا وحدها قفز عدد المتعاطين للمنشطات إلى مليون رياضي, لكونها تجارة مربحة, فإن المتاجرة تتم الآن عبر الأنترنت, كما يتم ابتداع سبل للتحاليل على القانون ورجالاته, فمجموع المعاملات وصل إلى 700 مليون دولار في فرنسا وحدها, وحسب باحث فرنسي وصل رقم المعاملات السنوي للمنشطات إلى 6 مليارات دولار, والذي يشجع على الاستثمار في المنشطات هو كون الجرعة الواحدة لمنشط تصل في الغالب إلى 70 دولاراً, أما لبرنامج تدريب فيمكن أن يصل المبلغ إلى 60 ألف دولار. هل تناول المنشطات أمر مباح أم محظور? هنا يطرح السؤال بحدة وبين اللائحة الموضحة بجلاء نوعية المواد المحظورة وبعض الأدوية التي يستباح تجنّبها, يوجد هامش من اللبس والتسامح الذي يستغل بكيفية خطيرة وذكية للمزيد من الانتعاش لتجارة المنشطات.
الحركة الرياضية تنتفض
تبعاً للآثار الوخيمة لتناول المنشطات وتفشيها بشكل سريع في الوسط الرياضي, ووقوف التنظيمات الرياضية أمام مد جارف سيقضي في المهد على الأسس الصلبة والقيم التي تأسست عليها الحركة الرياضية, إضافة إلى أن السكوت عن هذه الممارسات والاعتقاد ضمنيا أنها ممارسات هامشية وقليلة, يوازيه في المقابل تقوي شبكات المروجين والمهربين لهذه المواد المحظورة, وكذلك انبثاق ثقافة جديدة مفادها أن اللجوء إلى المنشطات هو السبيل الأوحد لتحقيق الإنجاز الرياضي, تبعا لهذا فقد بدأ يتنامى الوعي لدى التنظيمات الرياضية بضرورة تكثيف الجهود وتنسيقها للقضاء على هذه الآفة, ويجب الرجوع إلى سنة 1954 التي انبثقت فيها أول مبادرة لمكافحة المنشطات بإيطاليا إذ تم إحداث برامج للتوعية بالمخاطر المحتملة لتناول المنشطات, وفي سنة 1959 شكل الاتحاد الفرنسي للتربية البدنية أول لجنة لمكافحة المنشطات, وفي سنة 1961 تأسس أول مختبر للكشف عن المنشطات بمدينة فلورانسا الإيطالية, وفي عام 1962 تشكلت لجنة لمكافحة المنشطات بالاتحاد الإيطالي للطب الرياضي وأخرى باتحاد كرة القدم, وفي عام 1965 صدر أول قانون يمنع استخدام المنشطات المحظورة رياضيا بفرنسا. وفي عام 1967تشكلت اللجنة الطبية في اللجنة الأولمبية الدولية برئاسة الأمير الكسندر ديميرود. إلا أن التحول النوعي في التعامل الجدي مع ظاهرة المنشطات تم في عقد التسعينيات, حيث بدأت الدول ومن ورائها الاتحادات الرياضية الوطنية في إصدار قوانين تحظر وتجرم تناول المنشطات سيرا على تعليمات اللجنة الأولمبية الدولية, وقد تميزت فرنسا في هذا السياق بإصدار قانون 23 مارس 1999 والذي يتوخى تحديد السياسة الواجب اتباعها لحماية صحة الرياضيين ووضع إجراءات عملية لمحاربة تناول المنشطات, والجديد الذي حمله هذا النص هو الرفع من العقوبات الزجرية وخصوصا حيال الطبيب بالنظر لدوره الرئيسي في عملية تناول المنشط وتحديد مسئوليته في الامتناع عن تقديم وصفات طبية تتضمن منشطا وضرورة الإبلاغ عن الحالات المضبوطة لديه. وفي مستهل الألفية الثالثة وطدت الحركة الرياضية الدولية عزمها الأكيد للقضاء على آفة المنشطات من خلال إحداث الوكالة العالمية لمحاربة تناول المنشطات والتي يرأسها الكندي ريشارد باوند, وقد قدمت اللجنة الأولمبية الدولية دعما ماليا للوكالة قدره 25 مليون دولار, ووضعت نصب أعينها:
- تنسيق وتوحيد جهود الحكومات والمنظمات الرياضية بوضع قواعد مشتركة تحدد الأدوار والمسئوليات.
- وضع إطار مرجعي يفصل الإجراءات العملية كالمختبرات المؤهلة طرق التحليل ولائحة المواد المحظورة.
- وضع قواعد حسن التطبيق تعد كمرجع أساسي للاتحادات والدول.
إلا أن أكبر عائق يعترض سبيل انطلاقة فعلية للوكالة العالمية لمكافحة المنشطات يكمن في قلة الموارد المالية الضرورية للتطبيق الفعلي للخطط المنجزة.
وفي العالم العربي أيضا
لم يكن للدول العربية أن تبقى بمعزل عما يجري في مسرح الأحداث الرياضية من مستجدات, فهي كذلك يحدوها طموح قوي لتحقيق الإنجاز الرياضي وتعول كذلك على حصد الميداليات في الملتقيات الرياضية ليبرز أن لها مكانة في المحفل الدولي.
ويعتبر د. صالح قنباز نائب رئيس الاتحاد السعودي للطب الرياضي وعضو العديد من المنظمات العربية والدولية ذات الصلة بموضوع المنشطات أن تعاطي المنشطات حقيقة واقعة في العالم العربي وكل الرياضات العربية مصابة بهذا الداء, ففي الدورة الرياضية العربية الثامنة التي أقيمت ببيروت 1997 تم ضبط 12 حالة, وفي الدورة التاسعة التي أقيمت بالأردن سنة 1999 تم ضبط ثماني حالات إيجابية وجميع المواد كانت من الستيرويدات البناءة.
ولمواجهة هذا المد الجارف للمنشطات فقد صدر عن مجلس وزراء الشباب والرياضة العرب في 26 مارس 1996 الميثاق العربي لمكافحة المنشطات, كما بارك المجلس الخطة الخمسية للمكافحة, وقد أقيمت لحد الآن 18 دورة خلال سنوات الخطة وبلغ عدد المتدربين فيها 1403 متدرب.
حاليا هناك وعي متنام لدى المنظمات الرياضية الدولية أو الحكومات مفاده أنه لمواجهة المد الزاحف للمنشطات لابد من ضرورة توحيد وتنسيق الجهود, حفاظا على صحة الرياضيين وضمانا لمنافسة رياضية شريفة ومتكافئة, وذلك من خلال تأهيل الأطر الكفؤة لجمع وتحليل العينات, وتكثيف برامج الإعلام والتوعية للوقاية من المنشطات, مع تخصيص ميزانيات كافية لبرامج الوقاية من المنشطات